للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩]، وثانيًا باللين؛ ليؤذن بأن الآيات النازلة، والدلائل المنصوبة ناجعةٌ فيها، وصاحبها مقيمٌ على التعظيم لأمر الله تعالى، فقوله: "الإيمان يمان، والحكمة يمانية"، يشمل حسن المعاملة مع الله تعالى، والمعاشرة مع الناس، فلشدّة شكيمة اليهود، وعنادهم قيل فيهم: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: ٧٤]، وللين جانب المؤمنين وُصفوا بقوله: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: ٢٣]. انتهى بتغيير يسير (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

(الْإِيمَانُ يَمَانٍ) مبتدأ وخبره، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: أي معظم أهله يمانون، والقائمون به يمانون، والناصرون له، أو مُستقرّه إن كان المراد الأنصار (٢)، أو مبتدؤه، وظهوره عندهم على ما أشار إليه من قال: إن المراد به مكة والمدينة، وقيل: معناه أهل اليمن أكمل الناس إيمانًا. انتهى (٣).

[تنبيه]: قوله: "يَمَانٍ" بتخفيف الياء عند جماهير أهل العربية؛ لأن الألف المزيدة فيه عِوَضٌ من ياء النسب المشددة، فلا يُجْمَع بينهما، وقال ابن السَّيد في كتابه "الاقتضاب في شرح أدب الكاتب": حَكَى أبو العباس المبرد وغيره أن التشديد لغة، قال ابن الصلاح: وهذا غريب، وإن كان هو المشهور المستعمل عند من لا عناية له بعلم العربيّة. انتهى (٤).

وقال الجوهريّ في "صحاحه": اليمن بلاد للعرب، والنسبة إليها يمنيّ، ويمانٍ مخفّفةً، والألف عوض من ياء النسب، فلا يجتمعان، قال سيبويه: وبعضهم يقول: يمانيٌّ بالتشديد، قال أمية بن خلف [من الوافر]:

يَمَانِيًّا يَظَلُّ يَشُبُّ كِيرًا … وَيَنْفُخُ دَائِمًا لَهَبَ الشُّوَاظِ

وقوم يمانيةٌ، ويمانون، مثلُ ثمانية وثمانون، وامرأة يمانية أيضًا. انتهى (٥).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٣٩٥٦ - ٣٩٥٧.
(٢) قد تقدّم أن الأولى حمله على أهل اليمن على ظاهره، لا على الأنصار، ولا على أهل مكة والمدينة، فتنبّه.
(٣) "إكمال المعلم" ١/ ٣٢١.
(٤) "الصيانة" ص ٢١٦.
(٥) "الصحاح" ٥/ ١٧٧٨.