ونقل الطيبيّ عن المظهر، قال: وَصَفَ الأفئدة بالرقّة، والقلوب باللين، وذلك أنه يقال: إن الفؤاد غشاء القلب، وإذا رقّ نَفَذَ القول، وخلص إلى ما وراءه، وإذا غلظ تعذّر الوصول إلى داخله، فإذا صادف القلب ليّنًا عَلِقَ به، ونَجَعَ فيه (١).
وقال القاضي البيضاويّ: الرقّة ضدّ الغلظة والصفاقة، واللين مقابل للقساوة، فاستُعير في أحوال القلب، فإذا نَبَا عن الحقّ، وأعرض عن قبوله، ولم يتأثّر عن الآيات والنُّذُر يوصف بالغلظة، فكان شغافه صَفِيقًا لا ينفذ فيه الحقّ، وجرمه صلب لا يؤثّر فيه الوعظ، وإذا كان بعكس ذلك يوصف بالرّقّة واللين، فكان حجابه رقيقًا، لا يأبى نفوذ الحقّ، وجوهره ليّن يتأثّر بالنصح.
ويحتمل أن يكون المراد بالرقّة جَوْدَةُ الفهم، وباللين قبول الحقّ، فإن رقّة الفؤاد تعين على قبول الحقّ بسهولة، واللين يقتضي عدم الممانعة والانفعال عن المؤثّر بيسر، ولعله لذلك أضاف الرقّة إلى الفؤاد، واللين إلى القلب، فإنه وإن كان الفؤاد والقلب واحدًا، لكن الفؤاد فيه معنى النفاذ، وهو التوقّد، يقال: فَأَدتُ اللحمَ، أي شويته، والقلب فيه معنى التقلّب، يتقلّب حيث حاله بسبب ما يعتريه.
ثم لَمّا وصفهم بذلك أتبعه ما هو كالنتيجة والغاية، وهو قوله:"الإيمان يمان، والحكمة يمانية"، فإن صفاء القلب، ورقّته، ولين جوهره يؤدّي إلى عرفان الحقّ والتصديق به، وهو الإيمان، والانقياد لما يوجبه ويقتضيه، والتيقّظ والإيقان فيما يذره ويأتيه، وهو الحكمة، فتكون قلوبهم معادن الإيمان، وينابيع الحكمة، وهي قلوب منشؤها اليمن، نُسب إليه الإيمان والحكمة معًا؛ لانتسابهما إليه؛ تنويهًا بذكرهما، وتعظيمًا لشأنهما.
وقال الطيبيّ: يمكن أن يراد بالقلب والفؤاد ما عليه أهل اللغة في كونهما مترادفين، فكُرّر ليُنَاط به معنى غير المعنى السابق، فإن الرقّة مقابلة للغلظة، واللين مقابل للشدّة والقسوة، فوصفت أوّلًا بالرقّة؛ ليشير إلى التخلّق مع الناس، وحسن المعاشرة مع الأهل والإخوان، قال الله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا