للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحملِهِ على أهل اليمن حقيقةً؛ لأن مَنِ اتصف بشيء، وقَوِي قيامه به، وتأكّد اضطلاعه به، نُسِبَ ذلك الشيءُ إليه؛ إشعارًا بتميُّزه به، وكمال حاله فيه، وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان، وحال الوافدين منهم في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي أعقاب موته، كأُوْيس القَرَنيّ، وأبي مسلم الْخَوْلانيّ - رضي الله عنهما -، وشبههما ممن سلم قلبه، وقَوِيَ إيمانه، فكانت نسبة الإيمان إليهم لذلك؛ إشعارًا بكمال إيمانهم، من غير أن يكون في ذلك نَفْيٌ لذلك عن غيرهم، فلا منافاة بينه وبين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الإيمان في أهل الحجاز".

ثم إنّ المراد بذلك الموجودون منهم حينئذ، لا كلُّ أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه، هذا هو الحقّ في ذلك، ونشكر الله سبحانه وتعالى على هدايتنا له. انتهى كلام ابن الصلاح رحمه الله تعالى (١)، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

وقد أحسن الإمام الطحاويّ رحمه الله تعالى الكلام في هذا أيضًا في كتابه "شرح مشكل الآثار" (٢/ ٢٦٨ - ٢٧٨) حيث قال:

باب بيان مشكل ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - من قوله: "أتاكم أهل اليمن، هم ألين قلوبًا، وأرَقّ أفئدةً، الإيمان يمانٍ، والحكمة يمانية"، ثم أورده بأسانيده، وألفاظه المختلفة.

ثم قال: ففيما روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذِكرُهُ أهل اليمن بما ذكرهم به في هذا الحديث، فذهب قوم إلى أنه إنما عَنَى به أهل تهامة، منهم سفيان بن عيينة، فنظرنا فيما قالوا من ذلك، هل هو كما قالوه، أم لا؟ ثم أخرج بسنده حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده نحو اليمن، فقال: "الإيمان ها هنا، ألا وأن القَسْوَة وغِلَظ القلوب في الفدادين، أصحاب الإبل، حيث يطلُع قرن الشيطان، في ربيعة ومضر".

قال: فأضاف القسوة وغِلَظ القلوب إلى الفدّادين من ربيعة ومضر، فكان في ذلك ما قد دَلّ على أن المضاف إليهم من الإيمان، والحكمة، والفقه، أضدادهم الذين ليسوا من ربيعة، ولا من مضر.


(١) "صيانة صحيح مسلم" ص ٢١٢ - ٢١٤.