وقال في "العمدة" عند قوله: "يقال لهم القُرّاء": جمع قارئ، سُمّوا بذلك؛ لكثرة قراءتهم للقرآن، وهم طائفة كانوا من أوزاع الناس نزلوا الصُّفّة يتعلمون القرآن، بعثهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أهل نجد؛ ليدعوهم إلى الإسلام، وليقرأوا عليهم القرآن، فلما نزلوا بئر معونة قصدهم عامر بن الطفيل في أحياء، وهم رِعْل، وذكوان، وعصية، وقاتلوهم فقتلوهم، ولم ينج منهم إلا كعب بن زيد الأنصاريّ، وكان ذلك في السنة الرابعة من الهجرة، وأغرب مكحول حيث قال: إنها كانت بعد الخندق.
وقال ابن إسحاق: فأقام رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعني بعد أُحد بقية شوال، وذي القعدة، وذي الحجة، والمحرَّم، ثم بعث أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أُحد، قال موسى بن عقبة: وكان أمير القوم المنذر بن عمرو، ويقال: مرثد بن أبي مرثد، وقال ابن سعد: قَدِم أبو براء، عامر بن مالك بن جعفر الكلابيّ، مُلاعِبُ الأَسِنَّة، فأهدى للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يَقْبَل منه، وعَرَضَ عليه الإسلام، ولم يُسْلِم، ولم يبعد من الإسلام، وقال: يا محمد لو بعثت معي رجالًا من أصحابك إلى أهل نجد، رجوت أن يستجيبوا لك، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني أخشى عليهم أهل نجد"، قال: أنا لهم جارٌ، إن تعرّض لهم أحد، فبعث معهم القراء، وهم سبعون رجلًا.
وفي "مسند السرّاج": أربعون، وفي "المعجم": ثلاثون، ستة وعشرون من الأنصار، وأربعة من المهاجرين، وكانوا يُسَمَّون القرّاء، يصلُّون بالليل، حتى إذا تقارب الصبح احتطبوا الحطب، واستعذبوا الماء، فوضعوه على أبواب حُجَرِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعثهم جميعًا، وأَمَّر عليهم المنذر بن عمرو، أخا بني ساعدة، فسارعوا، حتى نزلوا بئر معونة -بالنون- فلما نزلوها بَعَثُوا حرام بن مِلْحان بكتاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى عدوّ اللَّه عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه، حتى عدا على الرجل فقتله، ثم اجتمع عليه قبائل من سُلَيم: عصيةُ، وذكوان، ورِعْلٌ، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم، ثم قاتلوهم حتى قُتِلُوا عن آخرهم، إلا كعب بن زيد، فإنهم تركوه، وبه رَمَقٌ، فعاش، حتى قُتِل يوم الخندق شهيدًا.
وكان في القوم عمرو بن أمية الضَّمْريّ، فأُخِذ أسيرًا، فلما أخبرهم أنهم