للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فاسم الإشارة نحتٌ، أو بدلٌ من "صلاتكم"، والإشارة إلى العشاء (أَلا) أداة استفتاح وتنبيه (إِنَّهَا) بكسر الهمزة؛ لوقوعها بعد "ألا" الاستفتاحيّة (الْعِشَاءُ) أي سمّاها اللَّه تعالى في كتابه بهذا الاسم، فلا تتعرضوا لما هو من عادتهم، من تسميتها بالعَتَمة، فتَغْصِبَ منكم اسمَ العشاء التي سماها اللَّه تعالى به.

والمعنى: أنه لا ينبغي العدول عما في كتاب اللَّه تعالى من تسميتها عشاء، إلى ما ألِفَهُ الأعراب من تسميتها عَتَمَةً، ولعل حكمةَ العدول عنه قُبْحُ لفظه؟ إذ العتمة شدة الظلام، والصلاة هي النور الأعظم، فلا يليق أن يوضع لها لفظ يدل على نقيضها، قاله القاري -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المعنى فيه: أن العادة أن العُظَماء، إذا سَمَّوا شيئًا باسم، فلا يليق العدول عنه إلى غيره؛ لأن ذلك تنقيص لهم، ورغبة عن صنيعهم، وترجيح لغيره عليه، وذلك لا يليق، واللَّه عزَّ وجلَّ سماها في كتابه العشاء، في قوله: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: ٥٨]، فيَقْبُح بعد تسمية ذي الجلال والإكرام العدولُ إلى غيره. انتهى (٢).

وقال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال الأزهريّ: أرباب النَّعَم في البادية يُريحون الإبل، ثم يُنيخونها في مراحها حتى يُعْتِموا، أي يدخلوا في عَتَمَة الليل، وهي ظلمته، وكانت الأعراب يُسمُّون صلاة العشاء صلاة العَتَمة؛ تسميةً بالوقت، فنهاهم عن الاقتداء بهم، واستَحَبّ لهم التمسّك بالاسم الناطق به لسان الشريعة. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": ونَقَل القرطبيّ عن غيره إنما نُهِي عن ذلك؛ تنزيهًا لهذه العبادة الشرعية الدينية عن أن يُطْلَق عليها ما هو اسم لفِعْلة دنيوية، وهي الحلبة التي كانوا يحلبونها في ذلك الوقت، ويسمونها العتمة.

وذكر بعضهم أن تلك الحلبة إنما كانوا يَعتمدونها في زمان الْجَدْب؛


(١) "المرقاة شرح المشكاة" ٢/ ٣٢٥.
(٢) "ازهر الربى في شرح المجتبى" للسيوطيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ١/ ٢٧٠.
(٣) "النهاية" ٣/ ١٨٠.