للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لاستدارته كاستدارة البدر، وهو القمر عند كماله. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقعت هذه اللفظة "ببدر" بالباء الموحدة، وهو الطَّبَقُ، سُمّي بذلك لاستدارته، وقد وقع لبعض الرواة "بقدر" بالقاف، واستُدلّ به على كراهة ما له ريحٌ من البقول، وإن طُبخ، وهذا ليس بصحيح، قالوا: وهو تصحيف، وصوابه: "ببدر"، وقد ورد في كتاب أبي داود: "أُتِي ببدر"، ولو سُلِّم أنه "بقدر"، فيكون معناه أنَّها لم تَمُتْ بالطبخ تلك الرائحة منها، فبقي المعنى المكروه، فكأنها نيئة. انتهى (٢).

وقال البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد روايته عن سعيد بن عُفير بلفظ: "أُتي بقدر" بالقاف ما نصّه: وقال أحمد بن صالح، عن ابن وهب: "أُتِيَ بِبَدْر".

قال في "الفتح": مراده أن أحمد بن صالح خالف سعيد بن عُفير في هذه اللفظة فقط، وشاركه في سائر الحديث، عن ابن وهب بإسناده المذكور.

وقد أخرجه البخاريّ في "الاعتصام"، قال: حدّثنا أحمد بن صالح، فذكره بلفظ: "أُتِي ببَدْر"، وفيه قول ابن وهب: "يعني طَبَقًا فيه خضرات".

وكذا أخرجه أبو داود، عن أحمد بن صالح، لكن أَخَّرَ تفسير ابن وهب، فذكره بعد فراغ الحديث.

وأخرجه مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب، فقال: "بِقِدر" بالقاف.

ورَجَّح جماعة من الشُّرّاح رواية أحمد بن صالح؛ لكون ابن وهب فَسَّر البَدْر بالطَّبَق، فدَلَّ على أنه حدَّث به كذلك.

وزَعَم بعضهم أن لفظة "بقدر" تصحيفٌ؛ لأنَّها تُشْعِر بالطبخ، وقد ورد الإذن بأكل البقول مطبوخة بخلاف الطَّبَق، فظاهره أن البقول كانت فيه نِيئةً.

قال الحافظ: والذي يظهر لي أن رواية القدر أصحّ؛ لِمَا يأتي من حديث أبي أيوب وأم أيوب -رضي اللَّه عنهما- جميعًا، فإن فيه التصريح بالطعام، ولا تعارُض بين امتناعه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أكل الثوم وغيره مطبوخًا وبين إذنه لهم في أكل ذلك مطبوخًا، فقد عَلَّل ذلك بقوله: "إني لست كأحد منكم"، وترجم ابن خزيمة على حديث


(١) "شرح النوويّ" ٥/ ٥٠.
(٢) "المفهم" ٢/ ١٦٧.