كقوله تعالى:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} الآية [الملك: ١٦] ونحوه ليست على ظاهرها، بل متأوَّلة عند جميعهم، فمن قال بإثبات جهة فوق من غير تحديد، ولا تكييف من المحدثين، والفقهاء والمتكلمين تأول {فِي السَّمَاءِ} أي على السماء، ومن قال من دُهَمَاء النظار والمتكلمين، وأصحاب التنزيه بنفي الحدّ، واستحالة الجهة في حقه -عزَّ وجلَّ- تأوّلوها تأويلات بحسب مقتضاها، وذكر نحو ما سبق.
قال: ويا ليت شعري ما الذي جمع أهل السنة والحق كلهم على وجوب الإمساك عن الفكر في الذات، كما أُمِروا، وسكتوا لحيرة العقل، واتفقوا على تحريم التكييف والتشكيل، وأن ذلك من وقوفهم، وإمساكهم غير شاكّ في الوجود والموجود، وغير قادح في التوحيد، بل هو حقيقته، ثم تسامح بعضهم بإثبات الجهة خاشيًا من مثل هذا التسامح، وهل بين التكييف وإثبات الجهات فرق؟، لكن إطلاق ما أطلقه الشرع، من أنه القاهر فوق عباده، وأنه استوى على العرش، مع التمسك بالآية الجامعة للتنزيه الكليّ الذي لا يصح في المعقول غيره، وهو قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} الآية [الشورى: ١١] عصمة لمن وفقه اللَّه تعالى وهداه. انتهى كلام القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: كلام القاض عياض الأخير هو الذي نعوِّل عليه، فنُثبت للَّه تعالى ما أثبته في الكتاب العزيز، وثبت في السنة الصحيحة، فلا نُعطِّل، وننفي عنه التشبيه، فلا نُمثِّلُ.
وأما قوله:"ويا ليت شعري" إلى قوله: "وهل بين التكييف وإثبات الجهة فرقٌ؟ " فكلام غير صحيح؛ إذ الفرق بينهما واضح، حيث إن التكييف غير جائز؛ لقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى: ١١]، وأما إثبات الجهة بمعنى أنه تعالى فوق العرش، وفوق مخلوقاته فوقيّةً تليق بجلاله -عزَّ وجلَّ-، فصحيح جائزٌ الإطلاق، كما أطلقتة النصوص الكثيرة، كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)}، وقوله:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}[النحل: ٥٠]، وقوله:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ}[فاطر: ١٠]، وكحديث الباب: "أين