للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال القاضي عياض: فيه أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزئ، وهو مبنيّ على أن المراد بالنفي نفي الإجزاء، وهو الظاهر، ومَن حمله على نفي الكمال تمسك بأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمْ يأمره بعد التعليم بالإعادة، فدَلّ على إجزائها، وإلا لزم تأخير البيان، كذا قاله بعض المالكية، وهو المهلَّب ومن تبعه، وفيه نظر؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة، فسأله التعليم، فعلَّمه، فكأنه قال له: أعد صلاتك على هذه الكيفية، أشار إلى ذلك ابن الْمُنَيِّر -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

(فرَجَعَ الرَّجُلُ) المسيء في صلاته؛ ليصلّي مرّة أخرى (فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى) أي مثل صلاته الأولى بلا طُمأنينة، ولا اعتدال (ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَعَلَيْكَ السَّلَامُ"، ثُمَّ قَالَ: "ارْجِعْ، فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) وفي رواية ابن نُمير عند البخاريّ: "فقال في الثالثة، أو في التي بعدها"، وفي رواية أبي أسامة: "فقال في الثانية، أو الثالثة"، وتترجح الأولى؛ لعدم وقوع الشك فيها، ولكونه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان من عادته استعمال الثلاث في تعليمه غالبًا، قاله في "الفتح".

[تنبيه]: قد استُشكِل تقرير النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- له على صلاته، وهي فاسدة على القول بأنه أخلّ ببعض الواجبات، وأجاب المازريّ: بأنه أراد استدراجه بفعل ما يجهله مرات؛ لاحتمال أن يكون فعله ناسيًا، أو غافلًا، فيتذكره، فيفعله من غير تعليم، وليس ذلك من باب التقرير على الخطأ، بل من باب تحقّق الخطأ، وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- نحوه، قال: وإنما لَمْ يُعَلّمه أولًا؛ ليكون أبلغ في تعريفه، وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة.

وقال ابن الجوزيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يَحْتَمِل أن يكون ترديده لتفخيم الأمر، وتعظيمه عليه، ورأى أن الوقت لَمْ يَفُتْهُ، فرأى إيقاظ الفِطنة للمتروك.

وقال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ليس التقرير بدليل على الجواز مطلقًا، بل لا بدّ من انتفاء الموانع، ولا شك أن في زيادة قبول المتعلِّم لما يُلْقَى إليه بعد تكرار فعله، واستجماع نفسه، وتوجه سؤاله مصلحةً مانعةً من وجوب المبادرة


(١) راجع: "الفتح" ٢/ ٣٢٥.