أعرابيّة، صَبّته له من قِرْبة كانت من جلد ميتة، وأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال له:"سلها، فإن كانت دبغتها، فهو طهور"، وأنها قالت: إي والله لقد دبغتها، أفاده في "الفتح"(١).
(فَصَبَّ عَلَيْهِ) أي الماء، فالمفعول محذوف (حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ) أي وقت فزاغه من قضاء حاجته، من البول، أو الغائط، والمراد أنه لم تَطُل مدّة ما بين قضاء الحاجة، وبين صبّه الماء عليه (فَتَوَضَّأَ) أي غسل وجهه، ويديه، ومسح برأسه، كما فسّرته الروايات الأُخَر، وأما رجله فبيّنه بقوله (وَمَسَحَ عَلَى الْخُفيْنِ) يعني أنه ما غسله كسائر أعضائه، وإنما اكتفى بمسحه.
وفي رواية للبخاريّ:"فغسل وجهه ويديه"، قال في "الفتح": والفاء في "فغسل" تفصيلية، وتَبَيَّن من ذلك أن المراد بقوله:"توضأ" أي بالكيفية المذكورة، لا أنه غسل رجليه، واستَدَلَّ به القرطبيّ على الاقتصار على فروض الوضوء دون سننه، لا سيما في حال مظنة قلة الماء، كالسفر، قال: ويحتمل أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فعلها، فلم يذكرها المغيرة، قال: والظاهر خلافه.
قال الجامع عفا الله عنه: وفيما قاله القرطبيّ نظر لا يخفى؛ لأنه قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - فعلها، وذكرها المغيرة، ففي رواية المصنّف الآتية:"فتوضّأ وضوءه للصلاة"، وفي رواية:"فغسل يديه، ثم غسل وجهه، ثم ذهب ليغسل ذراعيه، فضاقت الجبّة، فأخرجهما من تحت الجبّة، فغسلهما، ومسح رأسه … "، ورواية أحمد:"أنه غسل كفيه"، وله من وجه آخر، قويّ:"فغسلهما، فأحسن غسلهما"، قال: وأشك أقال: "دَلَكَهما بتراب" أم لا؟، وللبخاريّ في "الجهاد": "أنه تمضمض، واستنشق، وغسل وجهه"، زاد أحمد:"ثلاث مرات، فذهب يُخرِج يديه من كميه، فكانا ضيقين، فأخرجهما من تحت الجبة"، ولأحمد:"فغسل يده اليمنى ثلاث مرات، ويده اليسرى ثلاث مرات"، فكلّ هذه الروايات نصّ في كونه - صلى الله عليه وسلم - توضّأ وضوءًا كاملًا، ومن الغريب أن يخفى هذا على القرطبيّ مع أنه يشرح أحاديث "صحيح مسلم"، فيذكر الاحتمال المتقدّم، والله تعالى أعلم.