للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أجزأه، ومن مسح باطنهما دون ظاهرهما لم يجزه، وليس بماسح، مثل قول مالك سواءً، وله قول آخر مثل قول أشهب: إن مسح بطونهما ولم يمسح ظهورهما أجزأه، والصحيح في مذهبه أن أعلى الخف يجزئ عن أسفله، ولا يجزئ مسح أسفله، وتمام المسح عنده أن يمسح أعلى الخف وأسفله.

واحتجّ مالك، والشافعي في مسح أعلى الخف وأسفله بما رواه كاتب المغيرة بن شعبة، عن المغيرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ، فمسح أعلى الخف وأسفله، والصحيح في هذا أنه مرسلٌ، فلا يصحّ الاحتجاج به.

وقال أبو حنيفة، وأصحابه، والثوريّ: يمسح ظاهر الخفين دون باطنهما، وقد قال به أحمد بن حنبل، وإسحاق، وجماعة، وهو قول قيس بن سعد بن عبادة (١)، وقول الحسن البصريّ، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم (٢).

واحتج من قال بهذا القول بما أخرجه أبو داود بسند صحيح، عن عليّ - رضي الله عنه - قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه".

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أرجح المذاهب ما ذهب إليه الحنفيّة، والثوريّ، وأحمد، وإسحاق، وجماعة أنه يمسح على ظاهر الخفّ؛ لصحّة حديث عليّ - رضي الله عنه - بذلك.

قال ابن المنذر رحمه الله بعد ذكره نحو ما تقدّم: وبهذا - يعني القول بالمسح على ظاهر الخف - نقول، ولا أعلم أحدًا يرى أن مسح أسفل الخفّ وحده يجزي من المسح، وكذلك لا أعلم أحدًا أوجب الإعادة على من اقتصر على مسح أعلى الخفّ. انتهى (٣)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) وقع في نسخة "التمهيد": "وهو قول قيس بن سعيد، وابن عبادة"، وهو تصحيف فاحشٌ، والصواب: "وهو قول قيس بن سعد بن عبادة"، وقد وقع في "الاستذكار" (٢/ ٢٦٣) على الصواب، فتنبّه.
(٢) راجع "التمهيد" ١١/ ١٤٦ - ١٥٠.
(٣) "الأوسط" ١/ ٤٥٤.