وقال البيضاويّ: الظاهر أن الأمور الخمسة المذكورة هنا تفسير للإيمان، وهو أحد الأربعة الموعود بذكرها، والثلاثة الأُخَر حذفها الراوي؛ اختصارًا، أو نسيانًا، كذا قال، وما ذَكَرَ أنه الظاهر لعله بحسب ما ظهر له، وإلا فالظاهر من السياق أن الشهادة أحد الأربع؛ لقوله:"وعَقَدَ واحدةً"، وكان القاضي أراد أن يَرْفَعَ الإشكال من كون الإيمان واحدًا، والموعود بذكره أربعًا.
وقد أجيب عن ذلك بأنه باعتبار أجزائه المفصلة أربع، وهو في حد ذاته واحد، والمعنى أنه اسم جامع للخصال الأربع التي ذَكَرَ أنه يأمرهم بها، ثم فَسَّرَها، فهو واحد بالنوع، متعدد بحسب وظائفه، كما أن المنهيّ عنه، وهو الانتباذ فيما يسرع إليه الإسكار، واحد بالنوع، متعدد بحسب أوعيته.
والحكمة في الإجمال بالعدد قبل التفسير: أن تَتَشَوَّف النفس إلى التفصيل، ثم تسكن إليه، وأن يحصل حفظها للسامع، فإذا نسي شيئًا من تفاصيلها طالب نفسه بالعدد، فإذا لم يَسْتَوف العدد الذي في حفظه، عَلِمَ أنه قد فاته بعض ما سَمِع.
وما ذكره القاضي عياض من أن السبب في كونه لم يذكر الحجّ في الحديث؛ لأنه لم يكن فُرِضَ هو المعتمد، وقد قَدَّمنا الدليل على قِدَم إسلامهم، لكن جَزْمُ القاضي بأن قدومهم كان في سنة ثمان قبل فتح مكة، تَبعَ فيه الواقديّ، وليس بجيد؛ لأن فرض الحج كان سنة ست على الأصح، كما سنذكره في موضعه - إن شاء الله تعالى - ولكن القاضي يَخْتَار أن فرض الحج كان سنة تسع؛ حتى لا يَرِدَ على مذهبه أنه على الفور، انتهى.
وقد احتَجَّ الشافعي لكونه على التراخي، بأن فَرْضَ الحج كان بعد الهجرة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قادرًا على الحج في سنة ثمان، وفي سنة تسع، ولم يَحُجَّ إلا في سنة عشر.
وأما قول من قال: إنه تَرَكَ ذكر الحج؛ لكونه على التراخي، فليس بجيد؛ لأن كونه على التراخي لا يمنع من الأمر به.
وكذا قول من قال: إنما تركه؛ لشهرته عندهم ليس بقويّ؛ لأنه عند غيرهم ممن ذكره لهم أشهر منه عندهم، وكذا قول من قال: إنما ترك ذكره؛ لأنهم لم يكن لهم إليه سبيل، من أجل كفار مضر، ليس بمستقيم؛ لأنه لا يلزم