للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فحينئذ يكون من قبيل: "كلّمتُهُ فُوهُ إلى فِيَّ"، والوجه العربيّ أن يُضْرَب عن هذا الحال صفْحًا، ويقال: هو فاعلٌ تنازع فيه "يقوم"، و"يصلّي" على سبيل التجريد، كقول الشاعر [من الوافر]:

فَلَئِنْ بَقِيتُ لأَرْحَلَنَّ بِغَزْوَةً … تَحْوِي الْغَنَائِمَ أَوْ يَمُوتَ كريمُ

أي أموت كريمًا، فجعل الحال فاعلًا على التجريد، وعليه قراءة عُمير: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً} الآية [الرحمن: ٣٧] بالرفع، بمعنى: فحصلت وردةٌ، فالمعنى: يُصلي مقبلٌ متناهٍ في إقباله، ملقى على الركعتين بشَرَاشِرِه، ومنه قراءة من قرأ: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: ٥، ٦] انتهى كلام الطيبيّ - رحمه الله - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن الأرجح في وجه الرفع كونه خبرًا لمبتدأ محذوف؛ أي وهو مقبلٌ، والجملة في محلّ نصب على الحال، وأما ما وجّه به الطيبيّ من كونه من باب التجريد فلا يخفى ما فيه من التعسّف، فتأمله بإنصاف، والله تعالى أعلم.

وقال النوويّ - رحمه الله -: وقد جمع - صلى الله عليه وسلم - بهاتين اللفظتين - يعني في قوله: "مقبلًا بقلبه ووجهه" - أنواعَ الخضوع والخشوع؛ لأن الخضوع في الأعضاء، والخشوع بالقلب، على ما قاله جماعة من العلماء. انتهى (٢).

وقال في "المرعاة": الإقبال بالقلب على الركعتين أن لا يغفل عنهما، ولا يتفكّر في أمر لا يتعلّق بهما، ويَصرِف نفسه عنه مهما أمكن، والإقبال بالوجه أن لا يلتفت به إلى جهة لا تليق بالصلاة الالتفات إليها، ومبرجعه الخشوع والخضوع، فإن الخشوع في القلب، والخضوع في الأعضاء.

وقال السنديّ - رحمه الله -: يمكن أن يكون هذا الحديث بمنزلة التفسير لحديث عثمان - رضي الله عنه -، وهو: "من توضّأ نحو وضوئي هذا .. إلخ"، وعلى هذا فقوله: "فيُحسن وضوءه" هو أن يتوضّأ نحو ذلك الوضوء، وقوله في حديث عثمان - رضي الله عنه -: "لا يُحدّث فيهما نفسه" هو أن يُقبل عليهما بقلبه ووجهه، وقوله


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٣/ ٧٤٧.
(٢) "شرح النوويّ" ٣/ ١٢١.