للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

غير سديد؛ لأن الحديث من مفاريد مسلم، ولم يُروَ إلا من الإيتاء (١)، وإن كان "لم يأت" أوضح معنًى، من قولهم: أتى فلان حدًّا، وأتى منكرًا، لكن الذي يُعتمد عليه من جهة الرواية هو من الإيتاء، ومنهم من يرويه علي بناء المفعول، والمعنى: ما لم يَعْمَل كبيرةً، وُضِعَ الإيتاء موضع العمل؛ لأن العامل يُعطي العملَ من نفسه، قال الله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا} الآية [الأحزاب: ١٤]: أي لأعطوها ذلك من أنفسهم.

وَيَحْتَمِل أن يكون معنى بناء المفعول: ما لم يُصَبْ بكبيرة، من قولهم: أُتِي فلان في بدنه: أي أصابته علّة. انتهى (٢).

وقوله: (كَبيرَةً) بالنصب على المفعوليّة؛ لأنه يقال: آتاه: أي أتى به، ومنه قوله تعالى: {آتِنَا غَدَاءَنَا} [الكهف: ٦٢] أي ائتنا به؛ قاله الجوهريّ (٣).

و"ما" على الروايتين مصدريّة ظرفيّة: أي مدّة دوام عدم الإتيان بكبيرة.

(وَذَلِكَ الدَّهْرَ كلَّهُ) اسم الإشارة مبتدأ، و"الدهرَ" منصوب على الظرفيّة، متعَلِّقٌ بخبر المبتدأ، و"كلَّه" بالنصب توكيد لـ"الدهر"؛ أي وذلك مستمرّ في جميع الدهر.

وقال الطيبيّ رحمه الله: الواو في قوله: "وذلك الدهر كله " للحال، وذو الحال الضمير المستترُ في خبر "كانت"، وهو قوله: "كفّارةً".

وقال أيضًا نقلًا عن الأشرف: المشار إليه إما تكفير الذنوب؛ أي تكفير الصلاة المكتوبة الصغائر لا يختصّ بفرض واحد، بل فرائض الدهر تُكفّر صغائره، وإما معنى "لم يؤت كبيرة"، وهو عدم الإتيان بالكبيرة؛ أي عدم إتيان الكبيرة في الدهر كلِّهِ مع الإتيان بالمكتوبة كفّارةٌ لما قبلها. انتهى (٤).

وقال النوويّ رحمه الله: معنى قوله: "كانت كفّارةً لما قبلها": أن الذنوب كلَّها تُغْفَر إلا الكبائر، فإنها لا تُغْفَر، وليس المراد أن الذنوب تُغفَر ما لم تكن


(١) تقدّم أنه ثبتٌ في بعض نسخ "صحيح مسلم" بلفظ: "ما لم يَأْتِ" ثلاثيًّا، وهو الذي في "مستخرج أبي عوانة"، فتنبّه.
(٢) راجع "الكاشف عن حقائق السنن" ٣/ ٧٤٥.
(٣) "الصحاح" ٥/ ١٨٠٨.
(٤) "الكاشف" ٣/ ٧٤٦.