للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أي: حياء وإشفاق، من الذمّ واللوم (١)، والجملة حاليّة؛ أي: وقد أخذتني منه، أي من مصاحبته، والمشي معه ذامة؛ أي: استحياء، وإشفاق من لوم الناس، وذمهم لي على مصاحبته.

وقوله: (هَذَا) مفعول لمحذوف، أي أفهم هذا، أو مبتدأ خبره محذوف، أي هذا هو الشأن والأمر، وهذا هو المسمّى عند علماء البلاغة بالتخلّص، أو الاقتضاب، وهو الانتقال من أسلوب الكلام إلى آخر (٢).

وقوله: (عَذَرْتُ النَّاسَ)؛ أي: جعلت عامتهم معذورين فيما يقولون: إني الدجال؛ لجهلهم بما قاله النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من أوصاف الدجال.

وقوله: (مَا لِي وَلَكُمْ، يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ؟)؛ أي: أيّ شيء ثبت لكم في قولكم: إني دجال، وقد تعرفون حقيقة الأمر بسبب أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يترك شيئًا من علاماته الظاهرة إلا وقد بيّنه لكم، وسمعتموه، وعرفتم أنها ليست منطبقة عليّ، كما ترون، فما لكم في موافقة العوامّ في هذا الأمر؟، ثم بيّن لهم تلك العلامات بقوله:

(أَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّهُ)؛ أي: الدجال الموعود به آخر الزمان (يَهُودِيٌّ؟ "، وَقَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: ("وَلَا يُولَدُ لَهُ؟ "، وَقَدْ وُلِدَ لِي، وَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: ("إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ؟ " أي: دخولها، (وَقَدْ حَجَجْتُ)؛ أي: قصدت الحج، لا أنه قال ذلك بعد رجوعه من الحجّ؛ لأن الحوار جرى بينه وبين أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- في طريق الحج من المدينة إلى مكة، كما بُيّن في الرواية التالية، حيث قال: "أقبلت من المدينة، وأنا أريد مكة".

(قَالَ) أبو سعيد: (فَمَا زَالَ) ابن صائد يعدّد أشياء (حَتَّى كَادَ)؛ أي: أوشك وقرب (أَنْ يَأْخُذَ فِيَّ)؛ أي: يؤثّر في قلبي (قَوْلُهُ) هذا حتى أصدّقه فيما يقول: إنه ليس بدجّال.

(قَالَ) أبو سعيد: (فَقَالَ لَهُ) فيه التفات من التكلّم إلى الغيبة؛ إذ الأصل أن يقول: فقال لي، (أَمَا) أداة استفتاح وتنبيه، (وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ الآنَ) أي في


(١) "شرح النوويّ" ١٨/ ٥١.
(٢) راجع: "الكوكب الوهّاج" ٢٦/ ٢١٣.