قال ابن تيمية:(والحسن وإن لم يسمع من عمر، فلو لم يصح عنده عن عمر لم يجزم به). انتهى كلامه.
وأقول فيه شيئان:
الأول: من حيث الرواية فإنه منقطع؛ لنص شيخ الإسلام بأنه لم يسمعه الحسن من عمر، واعتذاره بأنه لو لم يصح للحسن عن عمر لَمَا جزم به: يلزم أن يجري في كل مقطوع يجزم به راويه، ولا يقول هذا أئمة الحديث كما عرفت في قواعد أصول الحديث، بل الانقطاع عندهم علة، والجزم معه تدليس، وهو علة أخرى، ولا يقوم بمثل ذلك الاستدلال في مسألة فرعية، كيف في مسألة قيل: إنها أكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة، وهذا البخاري أمير المؤمنين في علم الحديث، وأشدهم تحريًا في الصحيح لم يقل النقادون بأن تعاليقه المجزومة التي أودعها في كتابه الذي سماه "الصحيح" صحيحة، بل فيها الضعيف، كما نص عليه ابن حجر في مقدمة "الفتح".
والحسن البصري معروف عند أئمة هذا الشأن بأنه لا يؤخذ بمراسيله. قال الدارقطني في "السنن": وقد روى عاصم الأحول، عن ابن سيرين، وكان عالمًا بأبي العالية، وبالحسن، قال:(لا تأخذوا بمراسيل الحسن، ولا أبي العالية، فإنهما لا يباليان عمن أخذا عنه). انتهى.
قلت: ثم قال ابن تيمية: ولو كان كلام عمر هذا غير صحيح لَمَا تداولته الأئمة، ولوجب إنكارهم له؛ لمخالفته الإجماع، والكتاب، والسُّنَّة.
قلت: يقال: كلام عمر كغيره من الأقوال الدالة على خروج الموحدين من النار، وهو قول عليه جماهير الأئمة، منهم ابن تيمية، وستعرف أنه لا يصح أثر عمر إلا على تقدير أنه أراد به الموحدين، وأنه يتعيَّن حَمْله على ذلك عند شيخ الإسلام نفسه، وعند غيره.
والثاني: من حيث الدرايةُ، فإنه لو ثبت صحته عن عمر لم يدل على المدعى، فإن أصل المدعى هو فناء النار، وأن لها مدة تنتهي إليها، وليس في أثر عمر هذا، إلا أنه يخرج أهل النار من النار، والخروج لا يكون إلا وهي باقية، فإنك لو قلت: لو لبث زيد في الدار كذا وكذا، ثم خرج منها، لم يدل هذا على فناء الدار، لا مطابقة، ولا تضمّنًا، ولا التزامًا.