فقوله بعد هذا:"يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، ولو كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا" هو إشارة إلى أن مُلكه لا يزيد بطاعة الخلق، ولو كانوا كلهم بَرَرَةً أتقياء، قلوبهم على قلب أتقى رجل منهم، ولا ينقص مُلكه بمعصية العاصين، ولو كان الجنّ والإنس كلهم عُصاةً فجرةً، قلوبهم على قلب أفجر رجل منهم، فإنه سبحانه الغنيّ بذاته عمن سواه، وله الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله، فمُلكه مُلك كاملٌ لا نقص فيه بوجه من الوجوه، على أيّ وجه كان.
ومن الناس من قال: إن إيجاده لخلقه على هذا الوجه الموجود أكمل من إيجاده على غيره، وهو خير من وجوده على غيره، وما فيه من الشرّ فهو شرّ إضافيّ نسبيّ بالنسبة إلى بعض الأشياء دون بعض، وليس شرًّا مطلقًا، بحيث يكون عدمه خيرًا من وجوده من كل وجه، بل وجوده خير من عدمه، وقال: هذا معنى قوله: "بيده الخير"، ومعنى قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "والشرّ ليس إليك"؛ يعني: أن الشرّ المحض الذي عَدَمُه خير من وجوده ليس موجودًا في ملكك، فإن الله تعالى أوجد خلقه على ما تقتضيه حكمته وعدله، وخصّ قومًا من خَلْقه بالفضل، وترك آخرين منهم في العدل؛ لِمَا له في ذلك من الحكمة البالغة.
وهذا فيه نظر، وهو يخالف ما في الحديث من أن جميع الخلق لو كانوا على صفة أكمل خَلْقه من البرّ والتقوى لم يزد ذلك في ملكه شيئًا، ولا قَدْر جناح بعوضة، ولو كانوا على صفة أنقص خَلْقه من الفجور لم ينقص ذلك من