وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره ابن قتيبة، وحكاه ابن عبد البر أنه كان قبلها بثمانية عشر شهرًا، وعند ابن سعد عن ابن أبي سَبْرة أنه كان في رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا، وقيل: كان في رجب، حكاه ابن عبد البر، وجزم به النوويّ في "الروضة"، وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين، حكاه ابن الأثير، وحَكَى عياضٌ وتبعه القرطبيّ والنوويّ عن الزهريّ: أنه كان قبل الهجرة بخمس سنين، ورَجّحه عياض ومن تبعه، واحتَجَّ بأنه لا خلاف أن خديجة صَلّت معه بعد فرض الصلاة، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة إما بثلاث؛ أو نحوها، وإما بخمس، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء.
قال الحافظ: في جميع ما نفاه من الخلاف نظرٌ؛ أما أوّلًا: فإن العسكريّ حَكَى: أنها ماتت قبل الهجرة بسبع سنين، وقيل: بأربع، وعن ابن الأعرابيّ: أنها ماتت عام الهجرة.
وأما ثانيًا: فإن فرض الصلاة اختُلِف فيه، فقيل: كان من أول البعثة، وكان ركعتين بالغداة وركعتين بالعشيّ، وإنما الذي فرض ليلة الإسراء الصلوات الخمس.
وأما ثالثًا: فقد ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - أنها جَزَمت بأن خديجة - رضي الله عنها - ماتت قبل أن تُفْرَض الصلاة.
فالمعتمد أن مراد مَن قال: بعد أن فُرضت الصلاة ما فُرض قبل الصلوات الخمس، إن ثَبَت ذلك، ومراد عائشة بقولها: ماتت قبل أن تُفْرَض الصلاة - أي: الخمس - فيُجْمَع بين القولين بذلك، ويلزم منه أنها ماتت قبل الإسراء.
وأما رابعًا: ففي سنة موت خديجة اختلاف آخر، فحَكَى العسكريّ عن الزهريّ: أنها ماتت لسبع مضين من البعثة، وظاهره أن ذلك قبل الهجرة بست سنين، فَرّعَه العسكريّ على قول مَن قال: إن المدة بين البعثة والهجرة كانت عشرًا. انتهى ما ذكره في "الفتح"(١).
قال الجامع عفا الله عنه: الذي يميل إليه القلب هو القول بأنه كان قبل
(١) راجع: "الفتح" ٧/ ٢٤٢ - ٢٤٣ "كتاب المناقب" رقم الحديث (٣٨٨٨).