للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لغةٌ في السكون، وعلى هذا فالجمع بحذف الهاء قياس، مثلُ قَصَبَةٍ وقَصَبٍ. انتهى (١).

(الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأنبِيَاءُ) كذا هو في الأصول "يَربط به" بضمير المذكر، فأما "يَربط"، فإنه يجوز فيه الأمران؛ لأنه مسند إلى "الأنبياء"، والجمع يجوز تذكيره وتأنيثه، كما قال في "الخلاصة":

وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ سِوَى السَّالِمِ مِنْ … مُذَكَّرٍ كَالتَّاءِ مَعْ إِحْدَى اللَّبِنْ

وأما "به" فأعاده على معنى "الحلقة"، وهو الشيء.

قال صاحب "التحرير": المراد حلقة باب مسجد بيت المقدس، والله تعالى أعلم.

(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ) أي: الأقصى (فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكَعَتَيْنِ) أي: تحيّة للمسجد (ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ) أي: ليشرب ما يشاء (فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ) أي: فخيّرني أن آخذ أيّهما شئتُ، فاخترت بتوفيق من الله - سبحانه وتعالى -، ففي هذه الرواية اختصار، تبيّنها رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - الآتية بلفظ: "فأُتيت بإناءين في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن، فشربته " (فَقَالَ جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم -: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَسَّرُوا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة، ومعناه - والله أعلم -: اخترت علامة الإسلام والاستقامة، وجُعِل اللبن علامة؛ لكونه سهلًا طيبًا طاهرأ سائغًا للشاربين، سليم العاقبة، وأما الخمر، فإنها أمّ الخبائث، وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل، والله تعالى أعلم. انتهى.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: أصل الفطرة: ابتداء الخلقة، ومنه فَطَرَ ناب البعير إذا ابتدأ خروجه، ومنه قول الأعرابيّ المتحاكم إلى ابن عبّاس - رضي الله عنهما - في البئر: أنا فَطَرتها، أي: ابتدأت حفرها، وقيل في قوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠]، أي: جِبِلّة الله التي جَبَلَهم عليها، من التهيّؤ لمعرفته، والإقرار به، وقيل: هي ما أُخذ عليهم في ظهر آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الاعتراف بربوبيّته، وقيل: الفطرة الإسلام؛ لأنه الذي لقتضيه فطرة العقل ابتداءً، وقد حُمِل على


(١) "المصباح المنير" ١/ ١٤٧.