للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لي لا ألعن من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " دليل: على جواز الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إطلاق اللعن علي من لعنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معيَّنًا كان أو غير معيَّن؛ لأنَّ الأصل أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ما كان يلعن إلا من يستحق ذلك. غير أن هذا يعارضه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم ما من مسلم سببته، أو جلدته، أو لعنته، وليس لذلك بأهل، فاجعل ذلك له كفارة، وطهورًا" رواه مسلم، وهذا يقتضي أنه قد يلعن من ليس بأهل لعنة، وقد أشكل هذا على كثير من العلماء، وراموا الانفصال عن ذلك بأجوبة متعددة ذكرها القاضي عياض في كتاب "الشفاء وأشبه ما ينفصل به عن ذلك: أن قوله: "ليس لذلك بأهل" في علم الله، وأعني بذلك: أن هذا الذي لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إنما لعنه لسبب صدر منه يقتضي إباحة لعنه، لكنَّه قد يكون منهم من يعلم الله تعالى من مآل حاله: أنه يقلع عن ذلك السبب، ويتوب منه، بحيث لا يضره، فهذا هو الذي يعود عليه سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه، ولعنه له بالرحمة، والطهور، والكفارة، ومن لا يعلم الله منه ذلك، فإنَّ دعاءه - صلى الله عليه وسلم - زيادة في شقوته، وتكثير للعنته، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

٥ - (ومنها): ما قاله في "الفتح": وفي إطلاق ابن مسعود نسبة لعن مَن فعل ذلك إلى كتاب الله، وفهم أم يعقوب منه أنه أراد بكتاب الله القرآن، وتقريره لها على هذا الفهم، ومعارضتها له بأنه ليس في القرآن، وجوابه بما أجاب دلالةٌ على جواز نسبة ما يدلّ عليه الاستنباط إلى كتاب الله تعالى، وإلى سُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - نسبةً قوليةً، فكما جاز نسبة لعن الواشمة إلى كونه في القرآن؛ لعموم قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]، مع ثبوت لعنه - صلى الله عليه وسلم - مَن فعل ذلك يجوز نسبة مَن فعل أمرًا يندرج في عموم خبر نبويّ ما يدلّ على منعه إلى القرآن، فيقول القائل مثلًا: لعن الله مَن غَيّر منار الأرض في القرآن، ويستند في ذلك إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - لَعَن مَن فعل ذلك. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله في "الفتح" استدلال قويّ


(١) "المفهم" ٥/ ٤٤٥ - ٤٤٦.
(٢) "الفتح" ١٣/ ٤٤٧، كتاب "اللباس" رقم (٥٩٣١).