"مسنده"(٤٣)، و (ابن سعد) في "الطبقات"(٢/ ٣١٥)، و (المروزيّ) في "مسند أبي بكر"(٣٦)، و (أبو عوانة) في "مسنده"(٤/ ٢٥٣)، و (الطبرانيّ) في "مسند الشاميين"(٤/ ١٩٨)، و (الطحاويّ) في "شرح معاني الآثار"(٢/ ٤)، و (ابن الجارود) في "المنتقى"(١/ ٢٧٦)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٦/ ٣٠٠ - ٣٠١ و ٧/ ٦٥)، و (البغويّ) في "شرح السُّنَّة"(٢٧٤١)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان أن الأنبياء لا يورَثون، قال في "الفتح": قال ابن بطال وغيره: ووجه ذلك - والله أعلم - أن الله بعثهم مبلِّغين رسالته، وأمَرهم أن لا يأخذوا على ذلك أجرًا، كما قال تعالى:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}[الأنعام: ٩٠]، وقال نوح، وهود، وغيرهما نحو ذلك، فكانت الحكمة في أن لا يورثوا؛ لئلا يُظَنّ أنهم جمعوا المال لوارثهم. قال: وقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}[النمل: ١٦] حَمَله أهل العلم بالتأويل على العلم والحكمة، وكذا قول زكريا: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي} [مريم: ٥ - ٦].
وقد حَكَى ابن عبد البر - رَحِمَهُ اللهُ - أن للعلماء في ذلك قولين، وأن الأكثرين على أن الأنبياء لا يورثون، وذَكَرَ أن ممن قال بذلك من الفقهاء: إبراهيم بن إسماعيل ابن علية، ونقله عن الحسن البصريّ عياض في "شرح مسلم"، وأخرج الطبريّ من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله تعالى حكاية عن زكريا:{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ}[مريم: ٥] قال: العصبة، ومن قوله:{يَرِثُنِي} قال: يرث مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة.
ومن طريق قتادة، عن الحسن نحوه، لكن لم يذكر المال، ومن طريق مبارك بن فَضَالة، عن الحسن رفعه مرسلًا:"رَحِمَ اللهُ أخي زكريا ما كان عليه من يرث ماله".
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: وعلى تقدير تسليم القول المذكور، فلا مُعارض من القرآن لقول نبينا - صلى الله عليه وسلم -: "لا نورث، ما تركنا صدقة"، فيكون ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - التي أُكرم بها، بل قول عمر:"يريد نفسه" يؤيّد اختصاصه بذلك.
وأما عموم قوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} الآية [النساء: ١١]، فأجيب عنها بأنها عامّة فيمن ترك شيئًا كان يملكه، وإذا ثبت أنه وقفه قبل