وفي الكلام حذفٌ؛ أي: لَمّا وقع، وَوُجِد زمن خلافة عمر، والرِّيف: أرض الزرع والخصب. والجمع: أرياف. يقال: أَرَافَت الأرض - رباعيًّا - أخصبت، ورافت الماشية: إذا رعت الريف. وأَريفْنا؛ أي: صرنا إلى الريف، قاله في "الصحاح"، ويعني بذلك: أنَّه لمّا فُتحت البلاد بالشَّام وغيرها، وكثرت الكروم ظهر في الناس شُرْبُ الخمر، فشاور عمرُ الصحابةَ - رضي الله عنهم - في التشديد في العقوبة عليها، فتفاوضوا في ذلك، واتفقوا على إلحاقها بحدِّ القذف؛ لأنَّه أخفّ الحدود، كما قال عبد الرحمن، وقد جاء في "الموطأ": أن عمر لَمَّا استشارهم في ذلك قال علي: نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سَكِرَ هَذَى، وإذا هَذَى افترى. فصرَّح بكيفية الإلحاق. وحاصلها راجعٌ: إلى أنه أقام السُّكر مقامَ القذف؛ لأنه لا يخلو عنه غالبًا، فأعطاه حكمه، فكان هذا الحديث من أوضح حجج القائلين بالقياس والاجتهاد؛ إذ هذه القضيةُ نصٌّ منهم على ذلك. وهم الملأ الكريم. وقد انتشرت القضيةُ في ذلك الزَّمان، وعُمل عليها في كل مكانٍ، ولم يتعرَّض بالإنكار عليها إنسان، مع تكرار الأعصار، وتباعد الأقطار، فكان ذلك إجماعًا على صحة العمل بالقياس الذي لا ينكره إلا الأغبياء من الناس. وقد أورد بعض من يتعاطى العلم الجدلي على هذا النظر الشديد العَلَوِي أن قال: إنْ حُكم للسُّكر بحكم القذف - لأنه مظنَّته - فليُحْكَم له بحكم الزِّنى والقتل لأنه مظنتهما. وأيضًا: فلأنه يلزم عليه ألا يُحَدَّ على مجرد الشرب، بل على السُّكر خاصةً، لأنَّه هو المظنَّة، لا الشُرب. وقد حدُّوا على شرب الخمر وإن لم يَسْكر. فدلَّ على أن السُّكر ليس معتبرًا في الحدّ، فلا يكون علَّة له، ولا مظنَّة.
والجواب عن الأول: منعُ كون السُّكر مظنة للزنى والقتل؛ لأنَّ المظنَّة اسم لما يُظن فيها تحقق المعنى المناسب غالبًا. ومن المعلوم: أن السُّكر لا يخلو عن الهذيان والقذف غالبًا في عموم الأوقات والأشخاص، وليس كذلك الزنى والقتل؛ فإن ذلك إن وقع فنادرٌ، وغير غالبٍ. والوجود يحققه.
والجواب عن الثاني: أن الحدّ على قليل الخمر لمّا هو من باب سدِّ الذرائع؛ لأنَّ القليل يدعو إلى الكثير، والكثير يُسكر، والسُّكر المظنَّة، كما