مسؤول، والمستشير سائل، ولا يبعد أن يكون المستشار آمرًا، قال: والمثال الذي مَثَّل به غير مطابق.
قال الحافظ: بل هو مطابق لِمَا ادّعاه أن عبد الرحمن قَصَد الإخبار فقط، والحقّ أنه أخبر برأيه مستندًا إلى القياس، وأقرب التقادير: أخفّ الحدود أَجِده ثمانين، أو أجد أخف الحدود ثمانين، فنصَبَهما.
وأغرب ابن العطار صاحب النوويّ في "شرح العمدة"، فنَقَل عن بعض العلماء أنه ذكره بلفظ:"أخفُّ الحدود ثمانون" بالرفع، وأعربه مبتدأ وخبرًا، قال: ولا أعلمه منقولًا رواية، كذا قال، والرواية بذلك ثابتةٌ، والأَولى في توجيهها ما أخرجه مسلم أيضًا من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه:"ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمرُ، ودنا الناس من الرِّيف والقرى، قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخفّ الحدود، قال: فجلد عمر ثمانين"، فيكون المحذوف من هذه الرواية المختصرة:"أرى أن تجعلها"، وأداةَ التشبيه.
وأخرج النسائيّ من طريق يزيد بن هارون، عن شعبة:"فضربه بالنعال نحوًا من أربعين، ثم أُتي به أبو بكر، فصنع به مثل ذلك"، ورواه همام، عن قتادة، بلفظ:"فأمر قريبًا من عشرين رجلًا، فجلده كل رجل جلدتين بالجريد، والنعال"، أخرجه أحمد، والبيهقيّ، وهذا يَجْمَع بين ما اختُلِف فيه على شعبة، وأن جملة الضربات كانت نحو أربعين، لا إنه جَلَده بجريدتين أربعين، فتكون الجملة ثمانين، كما أجاب به بعض الناس.
ورواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، بلفظ:"جَلَد بالجريد والنعال أربعين"، عَلَّقه أبو داود بسند صحيح، ووصله البيهقيّ، وكذا أخرجه مسلم من طريق وكيع، عن هشام، بلفظ:"كان يَضرب في الخمر مثله".
وقد نَسَب صاحب "العمدة" قصة عبد الرحمن هذه إلى تخريج "الصحيحين"، ولم يخرج البخاريّ منها شيئًا، وبذلك جزم عبد الحق في "الجمع"، ثم المنذريّ، نعَم ذكر معنى صنيع عمر فقط في حديث السائب بن يزيد، ولفظه: "كنا نُؤتَى بالشارب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإمرة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر