بالتمر؛ إذا كان الرطب لا على رؤوس النخل؛ إذ قد يتعذر بيع التمر على من هو عنده ممن يريد أن يشتري الرطب به، ولا يجوز ذلك، فلا يجوز تفسير العرية بما ذكر.
وأمَّا أبو حنيفة: فإنَّه فسَّر العرية بما إذا وهب رجل ثمر نخلة، أو نخلات، ولم يقبضها الموهوب له، فأراد الواهب أن يعطي الموهوب له تمرًا، ويتمسك بالثمرة، جاز له ذلك؛ إذ ليس من باب البيع، وإنما هو من باب الرجوع في الهبة؛ التي لم تجب بناء على أصله في أن الهبة لا تجب إلا بالقبض، وهذا المذهب إبطال لحديث العريّة من أصله فيجب إطّراحه، وذلك: أن حديث العرية تضمن أنه بيع مُرَخَّص فيه في مقدار مخصوص، وأبو حنيفة يلغي هذه القيود الشرعية. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).
وقال الحافظ رحمه الله بعد ذكر كلام القرطبيّ فيما قاله في الردّ على الشافعيّ، ما نضه: والشافعي أقعد باتباع أحاديث هذا الباب من غيره، فإنها ناطقة باستثناء العرايا من بيع المزابنة، وأما إلزامه الأخير فليس بلازم؛ لأنها رخصة وقعت مقيدةً بقيد، فيتبع القيد، وهو كون الرطب على رؤوس النخل، مع أن كثيرًا من الشافعية ذهبوا إلى إلحاق الرطب بعد القطع بالرطب على رؤوس النخل بالمعنى كما تقدم، والله أعلم.
قال: وكل ما ورد من تفسير العرايا في الأحاديث لا يخالفه الشافعيّ، فقد روى أبو داود من طريق عمرو بن الحارث، عن عبد ربه بن سعيد، وهو أخو يحيى بن سعيد، قال: العرية الرجل يُعْرِي الرجل النخلة، أو الرجلُ يستثني من ماله النخلة يأكلها رطبًا، فيبيعها تمرًا، وقال أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا وكيع، قال: سمعنا في تفسير العرية أنها النخلة يرثها الرجل، أو يشتريها في بستان الرجل.
وإنما يتجه الاعتراض على من تمسك بصورة من الصور الواردة في تفسير العرية، ومنع غيرها، وأما مَن عَمِل بها كلها ونظمها في ضابط يجمعها، فلا اعتراض عليه، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ رحمه الله.