خيلًا إلى فَدَك، فأغاروا عليهم، وكان مِرْداس الْفَدَكيّ قد خرج من الليل، وقال لأصحابه: إني لاحق بمحمد وأصحابه، فبَصُرَ به رجل، فحَمَل عليه، فقال: إني مؤمن، فقتله، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "هلا شَقَقت عن قلبه؟ "، قال: فقال أنس - رضي الله عنه -: إن قاتل مِرداس مات، فدفنوه، فأصبح فوق القبر، فأعادوه، فأصبح فوق القبر مرارًا، فذكروا ذلك للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فأَمَر أن يُطْرَح في واد بين جبلين، ثم قال:"إن الأرض لَتَقْبَلُ مَن هو شرٌّ منه، ولكن الله وَعَظَكم".
قال الحافظ: إن ثبت هذا فهو مِرداس آخر، وقتيل أسامة لا يُسَمَّى مِرداسًا، وقد وقع مثل هذا عند الطبريّ في قتل مُحَلِّم بن جَثّامةَ عامرَ بنَ الأضبط، وأن مُحَلِّمًا لَمّا مات، ودُفِن لفظته الأرض، فذكر نحوه. انتهى (١).
(فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَطَعَنْتُهُ) أي بالرمح، ففي الرواية الآتية:"فأدركت رجلًا، فطعنته برمحي حتى قتلته"، وفي حديث جندب الآتي أيضًا:"فلما رَفَع عليه السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله".
ويُمكن الجمع بأنه رَفَع عليه السيف أوّلًا، فلما لم يتمكن من ضربه بالسيف طعنه بالرمح، قاله في "الفتح".
(فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) وفي الرواية التالية: "فلما قدمنا المدينة بلغ ذلك النبيّ - صلى الله عليه وسلم -"، ولا منافاة بينهما؛ لأنه يُحْمَل على أن ذلك بلغ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أسامة، لا من غيره، فيكون تقدير الثاني: بلغ ذلك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مني، أفاده في "الفتح".
وقال النوويّ رحمه الله تعالى: وأما قول أسامة في الرواية الأولى: "فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -"، وفي الرواية الأخرى:"فلما قَدِمنا بلغ ذلك النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: يا أسامة، أقتلته؟ "، وفي الرواية الأخرى:"فجاء البشير إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فسأله، فأخبره حتى أخبره خبر الرجل، فدعاه - يعني: أسامة - فسأله"، فيحتمل أن يُجمَع بينها بأن أسامة وقع في نفسه من ذلك شيءٌ بعد قتله، ونَوَى أن يسأل عنه، فجاء البشير، فأَخبَر به قبل مَقْدَم أسامة، وبلغ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أيضًا بعد قدومهم، فسأل أسامةَ، فذكره، وليس في