للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

"أقلني بيعتي"، ومعلوم أن من رغب عن جواره أبدله اللَّه خيرًا منه، وأما بعد وفاته فقد خرج منها جماعة من أصحابه، ولم تعوَّض المدينة خيرًا منهم.

قال الزرقانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يعني كأبي موسى الأشعريّ، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي عبيدة بن الجرّاح، وعليّ، وطلحة، والزبير، وعمار، وحذيفة، وعبادة بن الصامت، وبلال، وأبي الدرداء، وأبي ذرّ، وغيرهم -رضي اللَّه عنهم-، فقد قَطَنُوا غيرها، وماتوا خارجًا عنها، ولم تُعَوَّض المدينة مثلهم؛ فضلًا عن خير منهم، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم- على التخصيص بزمنه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وقال الأبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الأظهر أن ذلك ليس خاصًّا بالزمن النبويّ، ومن خرج من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لم يخرج رغبةً عنها، بل إنما خرج لمصلحة دينية، من تعليم، أو جهاد، أو غير ذلك. انتهى.

قال الزرقانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لا يقال: ليس النزاع في أن خروجهم لِمَا ذُكِر إنما هو في تعويضها بخير منهم، وهذا لم يقع، فالأظهر التخصيص؛ لأنا نقول: الإبدال مُقَيَّد بالخروج رغبةً عنها، فلا يَرِدُ أن الخارج لمصلحة دينية لم تُعَوَّض مثلهم. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أن حمله على العموم هو الأظهر، والأرجح؛ لأن تركها مقيّد بالرغبة عنها؛ أي: فمن خرج عنها رغبة عنها أبدل اللَّه فيها من هو خير منه، ولا يَرِد أن الصحابة المذكورين خرجوا عنها؛ لأنهم ما خرجوا رغبةً عنها، بل كانت هي أحبّ إليهم من غيرها، لكنهم رأوا أن خروجهم لمصلحة دينيّة أرجح وأولى لهم، فخرجوا لذلك مع شدّة رغبتهم لسكناها، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

(وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ) أي: بالصبر (عَلَى لَأْوَائِهَا) بالمد، وبسكون الهمزة الأولى، وتُبدل ألفًا؛ أي: شدّة جوعها (وَجَهْدِهَا) بفتح الجيم، وقد تُضم؛ أي: مشقتها، مما يجد فيه من شدّة الحرّ، وكُربة الغُربة، وأذية من فيها من أهل البدعة لأهل السنة، قال الجوهريّ: اللأواء الشدّة، لكن المراد هنا ضيق المعيشة والقحط؛ لِمَا في أكثر الروايات: "على لأوائها، وشدّتها"، فلا بد من


(١) "المرعاة" ٩/ ٥١٤.