جواب، وعلى التقديرين هو تجهيل لمن فعل ذلك؛ لتفويته على نفسه أجرًا عظيمًا، ولذلك قال:"إلا أبدل اللَّه فيها خيرًا منهم"، كما قال تعالى:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ}[محمد: ٤٠]؛ أي: يخلق خلقًا سواكم على خلاف صفتكم من الرغبة في الإيمان.
[فائدة]: ذُكر أن الرشيد حجّ، فلما خرج من المدينة يريد مكة أرسل إلى مالك مع الربيع بأربعة آلاف دينار، فقال له مالك: ضعها هناك، فلما رجع الرشيد إلى المدينة أرسل إلى مالك: تزاملني إلى مدينة السلام، فردّ إليه: قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون"، والمال حاضرٌ، لم أمسّ منه بشيء. انتهى (١).
وقوله:(لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ) جملة مستأنفة؛ أي: لا يترك المدينة أحد ممن استوطنها (رَغْبَةً عَنْهَا) بالنصب على أنه مفعول لأجله، وهو علّة لتركه لها؛ أي: لأجل رغبته عن ثواب الساكن فيها، وأما من خرج لضرورة شدّة زمان، أو فتنة، فليس ممن يخرج رغبةً عنها.
وقال القرطبيّ، والمازريّ: قوله: "رغبةً عنها"؛ أي: كراهةً لها، مِن رَغِبت عن الشيء: إذا كرهته.
وقال الباجيّ: الظاهر عندي أنه إنما أراد به الخروج عن استيطانها إلى استيطان غيرها، وأما من كان مستوطنًا غيرها، يعني من كان وطنه غيرها، فقَدِم عليها طالبًا للقربة بإتيانها، ورجع إلى وطنه، أو كان مستوطنًا بها، فسافر عنها لحاجة، أو لضرورة شدّة زمان، أو فتنة، فليس ممن يخرج رغبة عنها. انتهى.
(إِلا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا) أي: في المدينة (مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ) قال الباجيّ: أي: بمولود يولد فيها، أو بمنتقل ينتقل إليها من غيرها، قيل: هذا خاص بزمن حياته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقيل: بل دائمًا، ويدل عليه قوله في حديث:"يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه، هَلُمّ إلى الرخاء، المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون".
وقال ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا في حياته -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذلك مثل الأعرابي القائل: