٤ - (ومنها): أن فيه رواية تابعيّ، عن تابعيّ، والابن عن أبيه.
٥ - (ومنها): أن صحابيّه -رضي اللَّه عنه- من مشاهير الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، فهو أول من رمى بسهم في سبيل اللَّه، وهو أحد العشرة المبشّرين بالجنّة -رضي اللَّه عنهم-، وهو آخر من مات منهم.
شرح الحديث:
عن عَامِرِ بْن سَعْدٍ (عَنْ أَبِيهِ) سعد بن أبي وقّاص -رضي اللَّه عنه- أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَي الْمَدِينَةِ) بتخفيف الموحدة: تثنية لابة، وهي الحَرَّة، وهي الأرض ذات الحجارة السود، كأنها أُحرقت بالنار، وأراد بهما حرتين تكتنفانها، وجمع اللابة لُوبٌ ولاباتٌ، ولابٌ، قال ابن حبيب: هما الحرتان الشرقية والغربية، وللمدينة حرتان حرة بالقبلة من جهة الجنوب، وحرة بالجرف، من جهة الشمال، فهي حِرَارٌ أربع، لكن يرجع كلها إلى الحرتين الشرقية والغربية؛ لاتصالهما بهما، ولذلك جمعها -صلى اللَّه عليه وسلم- في اللابتين.
وقال السمهوديّ: ما بين لابتيها؛ أي: حرتيها، الشرقية والغربية، والمدينة بينهما، ولها أيضًا حرّة بالقبلة، وحرّة بالشام، لكنهما يرجعان إلى الشرقية والغربية؛ لاتصالهما بهما، ولهذا جمعها -صلى اللَّه عليه وسلم- كلها في اللابتين كما نبّه عليه الطبريّ. انتهى.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد تكرر ذكر اللابتين في الحديث، ووقع في حديث جابر عند أحمد: "وأنا أحرّم المدينة ما بين حرتيها"، فادَّعَى بعض الحنفية أن الحديث مضطرب؛ لأنه وقع في رواية: "ما بين جبليها"، وفي رواية: "ما بين لابتيها"، وفي رواية: "مأزميها".
وتُعُقِّب بأن الجمع بينها واضح، وبمثل هذا لا تُرَدّ الأحاديث الصحيحة، فإن الجمع أَبُو تعذر أمكن الترجيح، ولا شك أن رواية: "ما بين لابتيها"، أرجح؛ لتوارد الرواة عليها، ورواية "جبليها" لا تنافيها، فيكون عند كل لابة جبلٌ، أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال، وجبليها من جهة الشرق والغرب، وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضرّ، وأما رواية "مأزميها"، فهي في بعض