للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حجه، ولا صار عمرة، وكذا أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما-. انتهى ما في "الفتح" (١)، وهو بحث مفيدٌ جدًّا.

(قَالَ) محمد بن عبد الرحمن (فَسَأَلْتُهُ) أي عروة (فَقَالَ) عروة (لَا يَحِلُّ مَنْ أَهَلَّ) أي أحرم (بِالْحَجِّ إِلَّا بِالْحَجِّ) أي إلا بأداء أفعال الحج المطلوب أداء قبل التحلّل (قُلْتُ: فَإِنَّ رَجُلًا كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ) أي يرى التحلّل بالطواف (قَالَ) عروة (بِئْسَمَا قَالَ) أي بئس القول قوله هذا؛ حيث خالف المشروع (فَتَصَدَّانِي الرَّجُلُ) أي تعرَّض لي، هكذا هو في جميع النسخ بالنون، والأشهر في اللغة: تَصَدَّى لي باللام، قاله النوويّ رَحِمَهُ اللهُ (٢). (فَسَأَلَنِي) أي عما أجاب به عروة (فَحَدَّثْتُهُ) أي الرجل بجواب عروة (فَقَالَ: فَقُلْ لَهُ: فَإِنَّ رَجُلًا كَانَ يُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ) أي التحلّل بالطواف، وتقدّم أن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أخذه من الآية {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، ومن أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من لم يُهد من أصحابه بفسخ الحجّ إلى العمرة، ولكن هذا غير مقبول، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقل لهم: إن مجرد الطواف يتحلّل به الحاجّ، وإنما أمرهم أن يجعلوها عمرةً، لا أنها تكون عمرة بنفس الطواف، فلا يجوز الاستدلال صحيحًا، ولعلّ هذا هو سبب تكذيب عروة لهذا القول في كلامه الآتي، والله تعالى أعلم.

(وَمَا شَأنُ أَسْمَاءَ وَالزُّبَيْرِ) -رضي الله عنهما- (قَدْ فَعَلَا ذَلِكَ؟ قَالَ) محمد بن عبد الرحمن (فَجِئْتُهُ) أي عروة (فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ) أي ما قاله الرجل (فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟) أي السائل (فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي) أي لا أعرف اسمه (قَالَ: فَمَا بَالُهُ؟ لَا يَأْتِينِي بِنَفْسِهِ) وفي نسخة: "نفسُهُ"، وهو توكيد للفاعل، كما قال في "الخلاصة":

بِـ "النَّفْسِ" أَوْ بِـ "الْعَيْنِ" الاسْمُ أُكِّدَا … مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا

(يَسْأَلُنِي) أي عما أشكل عليه، وهذا فيه أن من أدب السائل أن يتولّى السؤال بنفسه إذا أمكنه ذلك؛ لأنه يدلّ على تواضعه، بخلاف السؤال بواسطة، إلا للضرورة (أَظنُهُ عِرَاقِيًّا) إنما قال هذا؛ لأن أهل العراق معروفون بالتعنّت في المسائل، وقد سأل رجل عراقيّ ابن عمر -رضي الله عنهما- عن دم البعوض؛ إذا أصاب الثوب؛ يعني هل يصلي فيه أم لا؟، فقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: انظروا إلى أهل


(١) "الفتح" ٤/ ٥٤٦.
(٢) "شرح النوويّ" ٨/ ٢٢٠.