للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

"إن رجلًا يقول ذلك" عَنَى به ابنَ عباس -رضي الله عنهما-، فإنه كان يذهب إلى أن من لم يسق الهدي، وأهلّ بالحج إذا طاف يحلّ من حجه، وأن من أراد أن يستمرّ على حجه لا يَقْرَبُ البيتَ حتى يرجع من عرفة، وكان يأخذ ذلك من أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لمن لم يسق الهدي من أصحابه أن يجعلوها عمرةً، وقد أخرج البخاريّ ذلك في "باب حجة الوداع" في أواخر "المغازي" من طريق ابن جريج، حدّثني عطاء، عن ابن عباس، قال: إذا طاف بالبيت، فقد حَلَّ، فقلت: من أين؟ قال: هذا ابن عباس قال: من قوله سبحانه: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣]، ومن أمْر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع، قلت: إنما كان ذلك بعد ذلك الْمُعَرَّف، قال: كان ابن عباس يراه قبلُ وبعدُ.

وأخرجه مسلم من وجه آخر، عن ابن جريج بلفظ: كان ابن عباس يقول: لا يطوف بالبيت حاجّ ولا غيره إلا حلّ، قلت لعطاء: من أين تقول ذلك؟ فذ كره.

ولمسلم من طريق قتادة: سمعت أبا حسان الأعرج قال: قال رجل لابن عباس: ما هذه الْفُتْيَا أن من طاف بالبيت فقد حلّ؟ فقال: سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، وإن رَغِمتم. وله من طريق وَبَرَة بن عبد الرحمن، قال: كنت جالسًا عند ابن عمر، فجاءه رجل، فقال: أيصلح لي أن أطوف بالبيت قبل أن آتي الموقف؟ فقال: فعم، فقال: فإن ابن عباس يقول: لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف، فقال ابن عمر: قد حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف، فبقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحقّ أن نأخذ، أو بقول ابن عباس؟ إن كنت صادقًا.

وإذا تقرَّر ذلك، فمعنى قوله في حديث أبي الأسود: قد فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك؛ أي أمر به، وعُرِف أن هذا مذهب لابن عباس، خالفه فيه الجمهور، ووافقه فيه ناس قليل، منهم إسحاق ابن راهويه، وعُرِف أن مأخذه فيه ما ذُكِرَ، وجواب الجمهور أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه أن يفسخوا حجهم، فيجعلوه عمرةَ، ثم اختلفوا، فذهب الأكثر إلى أن ذلك كان خاصًّا بهم، وذهب طائفة إلى أن ذلك جائزٌ لمن بعدهم، واتفقوا كلهم أن من أهل بالحجّ مفردًا لا يضرّه الطواف بالبيت، وبذلك احتجّ عروة بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ بالطواف، ولم يحلّ من