أَوِ اقْتَضَى بَعْضًا أَوِ اشْتِمَالَا … كَأَنَّكَ ابْتِهَاجَكَ اسْتَمَالَا
والمعنى أنه لم يتأخر انكشاف الفُرسان، وتولّيهم عن مواجهة العدّو عن وقت ملاقاتهم، بمعنى أنهم بمجرّد ابتدائهم القتال تولَّوا.
وقوله: (وَفَرَّتِ الْأَعْرَابُ) بفتح الهمزة، وفيه إشارة إلى الانكشاف إنما أتى من جهة أسافلة الناس، لا من أكابر الصحابة، وأفاضلهم.
وقوله: (وَمَنْ نَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ) تعميم بعد تخصيص.
وقوله: ("يَالَ الْمُهَاجِرِينَ") هكذا في جميع النسخ في المواضع الأربعة "يال" بلام مفصولة مفتوحة، والمعروف وصلها بلام التعريف التي بعدها. انتهى.
[تنبيه]: قوله: "يالَ المهاجرين" هذا هو المسمّى عند النحاة بالاستغاثة، وهو نداء من يُخلّص من شِدّة، أو يُعين على دفعها، قال في "الخلاصة":
إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادًى خُفِضَا … بِاللَّامِ مَفْتُوحًا كـ "يَا لَلْمُرْتَضَى"
وَافْتَحْ مَعَ الْمَعْطُوفِ إِنْ كَرَّرْتَ "يَا" … وَفِي سِوَى ذَلِكَ بِالْكَسْرِ ائتِيَا
[فإن قلت]: نداؤه - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين هنا يعارض ما سبق في الحديث الذي قبله من قول أنس - رضي الله عنه -: "فنادى يومئذ نداءين، لم يخلط بينهما شيئًا … إلخ" حيث يدلّ على أنه لم يناد مع الأنصار غيره، فكيف الجواب عنه؟.
[قلت]: يمكن أن يجاب بأن المنفيّ هناك النداء المخلوط بين نداءي الأنصار، وأما ما كان قبله كما في هذه الرواية فلم ينفه.
والحاصل أنه - صلى الله عليه وسلم - نادى أولًا المهاجرين نداءين والى بينهما، ثم نادى الأنصار بعدهم نداءين والى بينهما، والله تعالى أعلم.
وقوله: (هَذَا حَدِيثُ عِمِّيَّةٍ) قال النوويّ رحمه اللهُ: هذه اللفظة ضبطوها في "صحيح مسلم" على أوجه:
[أحدهما]: "عِمِّيَّة" -بكسر العين، والميم، وتشديد الميم، والياء -قال القاضي: كذا روينا هذا الحرف عن عامّة شيوخنا، قال: وفُسِّر بالشِّدَّة.
[والثاني]: "عُمّيّة" كذلك، إلا أنه بضم العين.
[والثالث]: "عَمِّيَهْ" -بفتح العين، وكسر الميم المشددة، وتخفيف الياء، وبعدها هاء السكت- أي حَدَّثني به عَمِّي، وقال القاضي: على هذا الوجه