للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقوله: (فَقَالُوا) تأكيد لـ "قالوا" السابق أعاده لطول الفصل، فهو كقوله عزَّ وجلَّ: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} الآية [البقرة: ٨٩] أعاد "لَمَا"؛ لما ذُكر؛ أي قال أناس من الأنصار (يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ) - صلى الله عليه وسلم - أي حيث أخطأ في زعمهم، فأعطى قريشًا، وتركهم.

قال الطيبيّ رَحمه اللهُ: قولهم: "يغفر الله" توطئة وتمهيد لما يَرِد بعده من العِتاب كقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} الآية [التوبة: ٤٣]. انتهى.

وقوله: (يُعْطِي قُرَيْشًا) جملة حاليّة من "رسول الله"؛ أي حال كونه يُعطي رجالًا من قريش (وَيَتْرُكُنَا) أي لا يُعطينا معهم، وقوله: (وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ) جملة حاليّة من الضمير المنصوب، وهو من المقلوب، والأصل: ودماؤنا تقطر من سيوفنا، ويَحْتَمل أن تكون "من" بمعنى الباء الموحّدة، وبالغ في جعل الدم قطّر السيوف، قاله في "الفتح" (١).

وقال في "المرقاة": قولهم: "وسيوفنا تقطر" بضم الطاء؛ أي والحال أن سيوفنا نحن معاشر الأنصار، تقطُر من دماء كفار قريش، بمحاربتنا إياهم حتى يُسْلِموا.

وقال الطيبيّ: قولهم: "وسيوفنا تقطر من دمائهم" من باب قول العرب: عَرَضْتُ الناقةَ على الحوض، وأنشد:

لَنَا الْجَفَنَاتُ الْغُرُّ يَلْمَعْنَ بِالضُّحَى … وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمَا

ولا يبعد أن يكون التقدير: وسيوفنا باعتبار ما عليها تقطر من دمائهم، وهو إشعار بقرب قتلهم كفارَ قريش، وإيماءٌ إلى أنهم أولى بزيادة البرّ، فالجملة حالٌ مقررة لجهة الإشكال. انتهى (٢).

(قَالَ أنَسُ بْنُ مَالِكٍ) - رضي الله عنه - (فَحُدِّثَ) بضمّ الحاء، وتشديد الدال المكسورة، مبنيًّا للمفعول؛ أي أُخبر (ذَلِكَ) أي ما قاله أناس من الأنصار: "يغفر الله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - … إلخ" (رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) وقوله: (مِنْ قَوْلهِمْ) متعلّق


(١) "الفتح" ٨/ ٤٨٤ "كتاب مناقب الأنصار" رقم (٣٧٧٨).
(٢) "مرقاة المفاتيح" ١١/ ٣٥٧.