للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال النوويّ رحمه الله: قوله: "كالذي يأكل ولا يشبع"، فقيل: هو الذي به داءٌ لا يَشْبَع بسببه، وقيل: يَحْتَمِل أن المراد التشبيه بالبهيمة الراعية. انتهى (١).

وقوله: (وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى") تقدّم شرحه مستوفًى، وأن الصواب في معناه أن العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة.

زاد في رواية البخاريّ: "قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحقّ لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يدعو حكيمًا إلى العطاء، فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر -رضي الله عنه- دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقّه من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى توفي".

وقوله: "لا أرزأ" بفتح الهمزة، وسكون الراء، وفتح الزاي، وبالهمزة، معناه: لا أَنْقُصُ ماله بالطلب، وفي "النهاية": ما رزأته: أي ما نقصته، وفي رواية لإسحاق: "قلت: فوالله لا تكون يدي بعدك تحت يدٍ من أيدي العرب".

وقال الطيبيّ رحمه الله: قوله: "لا أرزأ إلخ" أي لا أنقص بعدك مال أحد بالسؤال عنه، والأخذ منه، من الرزء، وهو النقصان، يقال: ما رزأته ماله: أي ما نقصته، ويُمكن أن يكون معناه: بعد سؤالك هذا، ويمكن أن يكون بمعنى غيرك. انتهى (٢).

وقال الكرمانيّ رحمه الله: فإن قلت: لِمَ امتنع حكيم من الأخذ مطلقًا، وهو مبارك إذا كان بسعة الصدر، مع عدم الإشراف؟.

قلت: مبالغةً في الاحتراز؛ إذ مقتضى الجبِلَّة الإشراف والحرص، والنفس سراقة، والْعِرْق دَسّاس، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، قاله في "العمدة".

وقوله: "فأبى أن يقبل منه" أي فامتنع حكيم أن يقبل عطاءً من أبي بكر في الأول، ومن عمر في الثاني، وجه امتناعه من أخذ العطاء مع أنه حقه؛ لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئًا فيعتاد الأخذ، فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده،


(١) "شرح النوويّ" ٧/ ١٢٦.
(٢) "الكاشف" ٥/ ١٥١٤.