للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

السائل، وإشرافه على المسألة (لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ) الضمير في "له" يرجع إلى الآخذ، وفي "فيه" إلى المال المأخوذ، وإنما لم يبارك له فيه؛ لأنه لم يمنع نفسه عن المسألة التي هي مذمومة شرعًا، ولم يصُنْ ماء وجهه، فعوقب بعدم البركة فيما أخذ.

وقال النوويّ رحمه الله: قال العلماء: إشراف النفس تطلعها إليه، وتعرّضها له، وطمعها فيه، وأما طيب النفس فذكر القاضي فيه احتمالين: أظهرهما أنه عائد على الآخذ، ومعناه: من أخذه بغير سؤال، ولا إشراف وتطلّع بورك له فيه، والثاني أنه عائد إلى الدافع، ومعناه: من أخذه ممن يدفع مُنْشَرِحًا بدفعه إليه طَيِّب النفس، لا بسؤال اضطَرَّه إليه أو نحوه، مما لا تطيب معه نفس الدافع. انتهى.

وقال الطيبيّ رحمه الله -بعد ذكر القاضي هذا-: لَمّا وَصَفَ المال بما تميل إليه النفس الإنسانيّة بجبلّتها، رَتّب عليها بالفاء أمرين:

[أحدهما]: تركها مع ما هي مجبولة عليه من الحرص والشَّرَه، والميل إلى الشهوات، وإليه أشار بقوله: "ومن أخذه بإشراف نفس".

[وثانيهما]: كفّها عن الرغبة فيها إلى ما عند الله من الثواب، وإليه أشار بقوله: "بسخاوة نفس"، فكَنَى في الحديث بالسخاوة عن كفّ النفس من الحرص والشّرَه، كما كَنَى في الآية بتوقي النفس من الشحّ والحرص المجبولة عليه عن السخاء؛ لأن من توقّى من الشحّ يكون سخيًّا مفلحًا في الدارين، {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩]. انتهى (١).

(وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) أي لا ينقطع اشتهاؤه، فيبقى في حيرة الطلب على الدوام، ولا يقضي شهواته التي لأجلها طلبُهُ، فكان كمن به الجوع الكاذب، المسمَّى بجوع الكَلْب، كلما ازداد أكلًا ازداد جوعًا؛ لأنه يأكل من سقم، وكلما أكل زاد سقمًا، ولا يجد شبعًا، ويزعم أهل الطبّ أن ذلك من غلبة السوداء، ويسمّونها الشهوة الكلبيّة، وهي صفة لمن يأكل، ولا يشبع، قاله في "العمدة" (٢).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٥١٣.
(٢) راجع: "عمدة القاري" ٩/ ٥٢.