الواحد الأحد، الملك القوي، عدو لهذه الخرافات وتلك الخزعبلات التي تتعارض والإيمان بالله العلي العظيم. كذلك نجد إلى جانب الإسلام وتعاليمه عاملا آخر وهو الكيمياء، وقد تسربت بصورتها الصوفية وطرقها الإعجازية إلى الجماعات الساذجة أو المشعوذة المهرة وهم كما يقول ابن اللطيف ساخرًا هناك ثلثمائة وسيلة لجعل الناس أغبياء، تحويل المعادن، وعزل المواد المؤثرة، وقد دفع هذا الوضع المسلمين المتعلمين إلى القيام ببحوث منتظمة وتحليل العناصر والتفرقة، والتعريف في معاملهم للوصول إلى شيء لم يصل إليه أحد من قبل «التجربة الكيماوية».
فقد حاول اليوناني المفكر شرح وتعليل المعرفة عن طريق الفلسفة فباشر كيمياء نظرية وفلسفية طبيعية حيث نلاحظ هذه الحقيقة في الهليّنية الشرقية العملية المدركة للتجارب التي جمعت ونظمت وهذا هو نشأة العلوم الطبيعية. أما العرب فهم أول من ابتدع طريقة الملاحظة والملاحظة الدقيقة المنتظمة وتحت شروط صناعية تتكرر في كل وقت وتتغير وتراقب، وكان العرب هم سادة هذا الموقف. لقد خلق العرب الكيمياء التطبيقية التجريبية بمعناها العلمي المعروف لما ومن ثم طوروها، كما يعترف بذلك المؤرخ الإنجليزي «كستوم»، حتى بلغت مكانة عالية رفيعة دفعت إلى اكتشاف الكيمياء العضوية وغير العضوية العصرية، وذلك بغية الوصول بها إلى المكانة التي بلغتها على يد العرب.
فعوضًا عن تحقيق الأمنية القديمة الخاصة بالحصول على الذهب بلغ العرب بالكيمياء مرحلة أخرى مكنتهم بفضل التجارب العملية التي قاموا بها من تحقيق تراكيب كيماوية جديدة، كما توصلوا إلى طرق كيماوية حديثة. ففي أواخر القرن التاسع نجد الكيمياء العربية تأخذ في الصعود فتبهر أنظار العالم بنورها الوضاء ولمعانها الباهر، وذلك بفضل شخصية عرفت باسم تنكري. وهذا الشخص الذي تدين له بالشيء الكثير جدًا يجب أن يكون سياسيًا من كبار زعماء وشيوخ الطائفة الإسماعيلية، هذه الطائفة المتحررة المسلمة المتطرفة، وقد عرف هذا العالم باسم «جابر» وكتب كسياسي كثيرًا من المؤلفات السياسية متسترة بأثواب الفلسفة