المقصود مع الإيجاز والاستقصاء، وهذا حين أبتدي وبالله أستعين وأهتدي فأقول. .
فهذه العبارة ليست ألفاظًا جوفاء أراد بها المؤلف التهويل والتضليل، فلدينا من الأدلة ما يثبت كيف كان هذا العالم دقيقًا ومفكرًا عميقًا، فابن أبي أصيبعة زميل ابن النفيس في دراسة الطب على الدخوار الذي كان تلميذًا أيضًا لابن البيطار، فقد ذكر أن أول مقابلة معه كانت في دمشق وفي عام ٦٣٣ هـ، ١٢٣٥ م وقد درس عليه ورافقه في بعض رحلاته النباتية. وكانت عادته أن يذكر ما قاله «ديوسكوريديس» في كتابه وفي لغة يونانية صحيحة كما درسها إبان مدة دراسته في بلاد الروم (آسيا الصغرى). وابن البيطار يذكر «ديوسكوريديس» كما أراد أن يعرض لوصف وخواص دواء من الأدوية، ومن ثم يتبع هذا الرأي بأقوال جالينوس. وفي النهاية يذكر آراء الأطباء المعاصرين سواء اتفقوا أم اختلفوا ثم يبين موضع الخطأ. ويذكر ابن أبي أصيبعة كذلك أنه كان عندما يعود إلى منزله فاحصًا ملاحظات ابن البيطار في مختلف مراجعها يجده صادقًا عالمًا بكل شيء، وأغرب شيء فيه أنه اعتاد أن يذكر الفصل والمناسبة الخاصة سواء عند ديسكوريديس أو جالينوس أو الآخرين، وقد جاءت الأدوية العربية مساعدات أخرى عظيمة الفائدة جدًا، وهذه المساعدات مدهشة من حيث الكثرة والاختراعات الحديثة وهي أصلا عبارة عن مخلفات أشياء ومواد أخرى لم تحقق غايتها العلمية.
إن العثور على حجر الحكمة الذي بواسطته يمكن تحويل المعادن غير الثمينة إلى ذهب، أعني المادة المؤثرة أو «الإكسير» الذي يمنح الإنسان صحة جيدة وعمرًا طويلا. فبلوغ هذه الغاية كان أمل الإنسانية وحلمها منذ عصور طويلة، وكانت تسعى جاهدة في سبيل تحقيقه. فقد استولى على الإنسان العجب عندما حاول صهر المعادن وأدرك بالمشاهدة تحولها فبلوغ هذا الهدف لم تحققه مصر أو اليونان أو فارس أو العرب، كما عجز عن تحقيقه أيضًا الكيماويون الأوربيون.
لكن هذه الآمال التي اختلطت بعناصر روحية غير مرئية تناولها العرب وعالجوها بوسائلهم العلمية المنتظمة. وذلك لأن العقيدة الإسلامية والإيمان بالله