وغالى رجال الكنيسة في تنفير القوم من الاستعانة بالأطباء والتشهير بهم فاتهموهم بأنهم تحت ستار طبهم ومعالجة المرضى كانوا يتربصون بالمسيحيين الذين يقصدونهم ويوقعون بهم أشد الأضرار، كما قد يقتلونهم خنقًا بالحبال. لكن بالرغم من كل هذه الشائعات الكاذبة والتهديدات بالطرد من الكنيسة لم يتردد الماضي في زيارة الأطباء سعيًا وراء الشفاء على يد أولئك الأطباء الأعداد. ولم يكن هذا الوضع مشرفًا للطبيب الشيخ الذي كان يداوي الجروح ويتقلد منصبًا رسميًا. ففي هذه السنوات الثلاث وجد «هوجو» الفرص السانحة لمشاهدة ومعاشرة الجراحين المسلمين الذين كانوا موضع المدح والتقدير من الجميع ولو أنهم كانوا أيضًا موضع اللعنة. وكان «هوجو» إذا ما اضطر إلى الذهاب إلى مستشفياتهم الحربية وجدها معدة أحسن إعداد ومزودة بأحدث الآلات وكانت حمولة ثلاثين أو أربعين جملا.
وقد شاهد «هوجو» هنا، في المستشفيات الإسلامية علاج الجروح فأدرك أن ما تعلمه هو كان خطأ شنيعًا. لقد تبين (هوجو) أن المهنة التي كان يمارسها زهاء خمسين عامًا والتي أخذها عن كتب الطب منذ عهد أبقراط حتى عالم سالرنو المسمى «روجر» والتي كان يعتقد فيها من قبل إنها الحكمة كل الحكمة باطلة وما حصَّله كان لغوًا وقبض ريح. لقد علمت تلك المراجع: أن الصديد هو البلسم الشافي، وظهوره ضرورة لا بد منها لشفاء الجرح، ولتكوين هذا الصديد كان لا بد من دهن الجرح ببياض البيض وزيت الورد، وكثيرًا ما أدت هذه الطريقة إلى أوخم العواقب.
أما الأطباء المصريون المختصون في علاج الجروح، فكانوا يستخدمون الأربطة المغموسة في النبيذ المعتق الساخن وحول الجرح الرباط العادي، ومن ثم يتركون هذا الرباط على الجرح خمسة أو ستة أيام، وتكون النتيجة سرعة الشفاء دون أن يتسبب هذا العلاج في ظهور حالة خطرة، هذا إلى جانب أن هذه الوسيلة تقفل الجرح بواسطة طبقة جلدية رقيقة ناعمة دون تجعد، وهذه الوسيلة كانت تستخدم أيضًا في علاج الجروح التي تطرأ على الأعصاب أو الأوعية. ولعلاج الكسور كان المصريون