قال القرطبي: (والفَرَق الخوف، أي يخافون أن يظهروا ما هم عليه فيقتلوا).
وقوله تعالى: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ}.
قال ابن عباس: (الملجأ: الحِرْز في الجبال، والمغارات: الغِيران في الجبال، والمدّخل: السَّرَب).
وقال أيضًا: ({أَوْ مُدَّخَلًا}، يقول: ذهابًا في الأرض، وهو النفق في الأرض، وهو السَّرَب).
وقال مجاهد: ({لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا}، قال: محرزًا لهم، لفرّوا إليه منكم).
قلت: والغيران جمع مَغَارة، من غار الرجل في الشيء إذا دخل فيه، والملجأ: الحصن، والمُدَّخل: المَسْلك نختفي بالدخول فيه كالنفق والسرب وغيره.
والمعنى: يود المنافقون أن لا يخالطوا المؤمنين كراهية رؤية نصرهم وعزهم، حتى لو سلكوا في حصن أو مغارات أو أنفاق تحجبهم عن رؤية عز الإسلام ورفعة جنده، لولجوا {وَهُمْ يَجْمَحُونَ} أي يسرعون في مَشيْهم.
وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}.
أي: ومن المنافقين من يعيب عليك - يا محمد - في قسمك الصدقات، فإن حظوا منها بحظ وافر أظهروا الرضى وإن كان غير ذلك أظهروا السخط والغضب.
قال قتادة: ({وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ}، يقول: ومنهم من يَطْعَنُ عليك في الصدقات). أي يعيب عليك فيها.
وقال ابن زيد: (هؤلاء المنافقون قالوا: والله ما يعطيها محمد إلا من أحب ولا يؤثرُ بها إلا هواه).
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: [بينما نحنُ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقْسِمُ قَسْمًا إذ أتاه ذُو الخُوَيْصِرَة وهو رجُلٌ من بني تميم، فقال: يا رسول الله! اعدِلْ، فقال: وَيْلَكَ، ومن يَعْدِلُ إذا لم أَعْدِلْ؟ قد خِبْتُ وخَسِرْتُ إنْ لم أكُنْ أعْدِلُ، فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرِبَ عُنُقَهُ، فقال: دَعْهُ فإن له أَصْحابًا يَحْقِرُ أحدُكُم صلاتَهُ مع صلاتِهم، وصيامَهُ مع صيامهِم،