بعقله لا ينقذه من النار؛ إذ المنقذ من النار طاعةُ الله تعالى، وإنما يطاع الله تعالى من حيث أَمر، لا من حيث يَستحسن العبد، فالطاعة المنقذة من النار هي الطاعة الموافقة للشرع والأمر بدليل:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك: ١٠].
وروى البيهقي في "الشعب" عن أبي عمرو الزجاجي رحمه الله تعالى قال: كان الناس في الجاهلية يتبعون ما تستحسنه عقولهم وطباعهم، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فردهم إلى الشريعة والاتباع؛ قال: فالعقل الصحيح الذي يستحسن محاسن الشريعة، ويستقبح ما تستقبحه (١).
ثم إن العبد كلما كان أطوع لله وأتقى كان أصعد في مراتب العقل وأرقى، وكلما كان كمل عقلاً وأتم نهياً كان أبعد عن الطبع البهيمي والمزاج الحيواني، وبذلك يكون الإنسان كريماً مكرماً، فاضلاً مفضلاً، ممدوحاً محموداً.
قال أبو القاسم الراغب في كتاب "الذريعة إلى محاسن الشريعة": الإنسان - وإن كان بكونه إنساناً أفضل موجود - فذلك بشرط أن يراعى ما به الإنسان صار إنساناً، وهو العلم والعمل المحكم، فبقدر وجود ذلك المعنى فيه يفضُل، ولهذا قيل: الناس أبناء ما يحسنون؛ أي: يعرفون، ويعملون من العلوم والأعمال الحسنة.