أبو جعفر عيسى بن موسى بالشخوص، قال: شاوِرْ عمومَتك، فقال له: امضِ أيها الرجل؛ فوالله ما يراد غيري وغيرك؛ وما هو إلّا أن تشخص أو أشخص؛ قال: فسار حتى قدم علينا ونحن بالمدينة.
قال: وحدّثني عبد الملك بن شيبان، قال: دعا أبو جعفر ابنَ حنظلة البَهرانيّ - وكان أبرص طُوالًا، وأعلم الناس بالحرب، وقد شهد مع مَرْوان حروبه - فقال: يا جعفر، قد ظهر محمد، فما عندك؟ قال: وأين ظهر؟ قال: بالمدينة، قال: فاحمد الله، ظهر حيث لا مالَ ولا رجال ولا سلاح ولا كُراع؛ ابعث مولىً لك تثق به فليسِرْ حتى ينزل بوادي القرى؛ فيمنعه مِيرة الشأم، فيموت مكانه جوعًا، ففعل.
قال: وحدّثني عبد الملك بن راشد بن يزيد، قال: سمعتُ أصحابنا إسماعيل بن موسى وعيسى بن النّضْر وغيرهما يذكرون أنّ أبا جعفر قدّم كَثير بن حُصَيْن العبدّي، فعسكر بفيد، وخندق عليه خندقًا؛ حتى قدم عليه عيسى بن موسى، فخرج به إلى المدينة، قاله عبد الله: فأنا رأيتُ الخندق قائمًا في هرًا طويلًا، ثم عفا ودَرس.
قال: وحدّثني يعقوب بن القاسم، قال: حدّثني عليّ بن أبي طالب، - ولقيته بصنعاء - قال: قال أبو جعفر لعيسى حين بعثه إلى محمد: عليك بأبي العسكر مسمع بن محمد بن شيبان بن مالك بن مسمع، فسرْ به مَعك؛ فإني قد رأيته منعَ سعيد بن عمرو بن جعَدة بن هبيرة من أهل البصرة؛ وهم محلبون عليه (١)؛ وهو يدعو إلى مَرْوان؛ وهو عند أبي العسكر يأكل المخَّ بالطَّبرْزَد، فخرج به عيسى؛ فلما كان ببطن نخل، تخلّف هو والمسعوديّ بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود حتى قُتِل محمد، فبلغ ذلك أبا جعفر، فقال لعيسى بن موسى: ألّا ضربت عنقه!
وحدّثني عيسى بن عبد الله بن محمد بن عليّ بن أبي طالب، قال: أخبرني أبي، قال: قال أبو جعفر لعيسى بن موسى حين ودّعه: يا عيسى؛ إني أبعثك إلى ما بَيْن هذين - وأشار إلى جنبيه - فإن ظفرت بالرجل فشِمْ سيفك، وابذل الأمان؛
(١) أحلب القوم، أي جاؤوا من كل وجه للحرب. أو غير ذلك، اللسان (١/ ٣٣٢).