للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلُّ ما ذكرنا مما فيه الخلافُ، هل يُعَدّ نقضاً أو لا؟ فالخلاف فيه إذا عُدُّ نقضاً: هل يُغتالُ، أو يُرَدُّ إلى مأمنه؟

والأرجح -إن شاء الله- في كل ما كان فيه طعنٌ في الدِّين، وكان مما لا يَدينون به في مِلَّتهم؛ أن يُعَدَّ ذلك نقضاً يُستباح فاعله، قال الله تعالى: {وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} [التوبة: ١٢] .

فأمَّا إن كان مما يدينون باعتقاده، كقولهم في المسيح

وعزيرٍ ونحو ذلك، فلم يجرِ مَجرى قصد الطّعن؛ فلا يدخل في ذلك، والله أعلم.

وكذلك الأرجح فيمن فعلَ ما يُعدُّ نَقضاً أن يُغتال، ولا يجب رَدُّهُ إلى مأمنه؛ لأنه بعد نقضه العهد لمْ تَبقَ له حُرمةٌ فيه، ولا شُبْهَةُ حُرمةٍ يتعلَّقُ بها أمان، بخلاف من يتوقع منه خيانة وهو لم يفعل بعد، فذلك هو الذي يُنبذُ إليه، ويردُّ إلى مأمنِه، أوما كان في معناه، وكذلك فِعلُ عُمَرَ حين أمر بصَلبِ العلْج الذي تعمَّد كشف المرأة المسلمة، ورُوي مِثلهُ عن أبي عبيدة بن الجراح، أنّه قتل نصرانياً استكره مسلمة على الزِّنى، ولم يَردَّه إلى مأمنه (١) . ورُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلح أهل خيبر على أموالهم، وأن لا يكتموا منها شيئاً: أن الربيع وكنانة ابني أبي الحُقيق (٢) كتماه بعضَ ذلك، قال ابن عباس: فقدمهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فضرب أعناقهما، قال:


= وعدَّه العمراني -من الشافعية- في «البيان» (١٢/٣٢٤) نقضاً للعهد.
وذكر في موطن آخر (١٢/٣٨٧) الاشتراطَ في ذلك، فإن لم يُشْترط على أهل الذمة ذلك، فلا ينتقض. وانظر: «المجموع» (٢١/٤١٢، ٤١٣) .
(١) أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (٦/١١٥-١١٦ رقم ١٠١٧٠ و١٠/٣٦٤ رقم ١٩٣٨١) عن ابن جريج، قال: أخبرت أنّ أبا عبيدة بن الجراح، قتل كذلك رجلاً أراد امرأةً عن نفسها. والإسناد فيه مجهول، وهو الذي أخبر ابن جريج بهذه الحادثة. فهو ضعيف.
وأخرج مثله عن أبي هريرة. ويغني عنه أثر عمر، وهو صحيح بطرقه.
وانظر: «أحكام أهل الملل» (٢٦٦ رقم ٧٦٣) ، و «أحكام أهل الذمة» (٣/١٣٤٩) .
(٢) سقطت كلمة (أبي) من منسوخ أبي خبزة.

<<  <   >  >>