أضبط وأسلم، أسلم من الضياع، وأسلم من التعديل أو التبديل، وأسرع، فالحمد لله الذي علَّم الإنسان ما لم يعلم، الآن أصبحت الأمور -ولله الحمد- فيها سهولة في كل شيء، لكن كلام الفقهاء رحمهم الله إنما قالوا هذه الأمور وهذه التحرُّزَات بناء على زمن كانوا فيه، ولكل زمان رجال ودولة.
***
[باب القسمة]
ثم قال المؤلف:(بَابُ القِسْمَةِ).
(القسمة) اسم مِن قَسَمْتُ الشيء، إذا جعلته أقسامًا، فالواحد يمكن يُجعل كم؟ اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة، المهم إذا جعلت الشيء أقسامًا فهذا هو القسمة.
القسمة تنقسم إلى أقسام كما سيذكر المؤلف، ولكن هنا سؤال: لماذا جعل المؤلف باب القسمة هنا؟ أليس من الأجدر أن يُجْعَل في باب الشركة؛ لمناسبة قَسْم الشريكين ما بينهما، أو أن يُجعل في باب الأضحية؛ لأنه قد يشترك اثنان في بقرة أو في بعير ويحتاجان إلى القَسْم، أو في باب الميراث -في باب الفرائض- أو ما أشبه ذلك؟
الواقع أن له مناسبة في عدة أبواب، يكون مثلًا في الأضحية، ويكون في الفرائض، ويكون في الوصايا، ويكون في الأوقاف، ويكون في الشَّرِكات، له مناسبات في كثير من أبواب الفقه، لكن ذكروه هنا؛ لأن القِسمة تحتاج إلى قاسم في الغالب، هذا القاسم إما أن يكون منصوبًا من قِبَل الشريكين، فيكون كالرجل الذي يُحَكِّمه الخصمان، وقد سبق لنا في كتاب القضاء -في أوله- أنه إذا حكَّم اثنان رجلًا يصلح بينهما للقضاء، فإنه يَنفُذ الحكم، وإما أن يكون القاسم عن طريق القاضي، هو الذي يَنْصِبه، فتكون المسألة لها علاقة بالقضاء، ولهذا جعلوا الفقهاء رحمهم الله -غالب الفقهاء- جعلوا باب القسمة في هذا المكان، أي في طَيّ كتاب القضاء؛ لأن مناسبته فيه ظاهرة، وليست الأبواب التي لها مساس بالقِسمة، ليس بعضها أولى من بعض، فلذلك نقلوه إلى هذا المكان.