وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا أذن المغرب يقومون فيصلون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يراهم ولا ينهاهم، وهذا يدل على أنه ليس معنى التعجيل أن يُبادِر الإنسان من حين الأذان، ولكن لا يتأخر بمقدار الوضوء والراتبة وما أشبه ذلك.
ثم قال:(إلا ليلةَ جمعٍ لمن قَصَدَها مُحْرِمًا)، (جمع) اسم لمزدلفة، وسميت جمعًا؛ لاجتماع الناس فيها؛ لأن الناس يجتمعون فيها في ليلة العيد، يجتمع فيها الناس من قريش وغيرهم، عرفة: لا يجتمع فيها الناس؛ لأن قريشًا في الجاهلية كانوا لا يقفون بعرفة، ويقفون بالمزدلفة، لكن ليلة العيد يجتمع الحجاج فيها؛ ولهذا سميت ليلة (جَمْع) يعني: إلا ليلة مزدلفة.
(لمن قَصَدَها) أي: قصد جمعًا، فالضمير هنا يعود على (جمع)، وليس على الصلاة، أي: لمن قصد جمعًا مُحْرِمًا، ولو قال المؤلف رحمه الله: إلا ليلة مزدلفة للحاج لكان أوضح وأخصر، لكن كثيرًا من الفقهاء، ولا سيما أصحاب المذاهب المقلدة كثير منهم يتناقلون العبارة مِنْ أَوَّلِ مَنْ عَبَّر بها إلى آخر مَنْ تَكَلَّم بها يتناقلونها، ولا سيما وأن هذا الكتاب مختصر من المقنع للمُوَفَّق، فتجده تَبِعَ في العبارة من سبقه.
وإلا فلا شك أن مُؤَدَّى هذه العبارة أن يقال: إلا ليلة مُزْدَلِفَة لمَنْ؟ للحاج يكون أوضح وأبين.
على كل حال، المؤلف رحمه الله استثنى في صلاة المغرب مسألة واحدة؛ وهي: الحاج إذا دفع من عرفة، فإنه لا يمكنه أن يصلي في عرفة ولا في الطريق، على وجه الاستحباب، إذن يصلي في مزدلفة.
ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل فبال في الشِّعْبِ قال له أسامة بن زيد - وكان رديفًا له -: الصلاة يا رسول الله، قال:«الصَّلَاةُ أَمَامَكَ» فلم يُصَلِّ (١٠). إذن يؤخرها إلى مزدلفة.