(فإن ذكروا مظلمة أزالها) لأن خروجهم من أجل إزالة المظالم خروج بتأويل سائغ، صحيح أن الإنسان لا يجوز له أن يظلم الناس، وإن كان له السلطة العليا عليهم فلا يحل له أن يظلمهم.
وظاهر كلام المؤلف إن ذكروا مظلمة أنه لا فرق بين أن تكون المظلمة عامة أو خاصة.
مثال العامة: أن يضع ضرائب على الناس في تجارتهم، أو أن يلزمهم بهدم بيوتهم وبنائها على الشكل الذي يريد، أو يلزمهم بإخراج شيء من بيوتهم إلى الشوارع بغير عوض، وما أشبه ذلك من المظالم التي تكون عامة، نظامًا عامًّا لجميع الرعية. أو مظلمة خاصة؛ بأن يظلم شخصًا معينًا في ماله أو في نفسه.
فإذا ذكروا مظلمة أزالها وجوبًا ولَّا لا؟ أزالها وجوبًا. لماذا؟ لأن إزالة الظلم واجب، سواء طولب به من جهة الشعب، أم لم يطالب به، فإن الله عز وجل يقول:«يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا»(١٠)، هكذا جاء الحديث القدسي الذي رواه النبي صلى الله عليه وسلَّم عن ربه.
(وإن ادعوا شبهة كشفها) شبهة؛ يعني: في حكم أو في حال؛ في حكم بأن قالوا: إنك منعت من كذا وقلت: إنه حرام، ونحن لم يتبين لنا تحريمه، أو قالوا: إنك قلت: هذا واجب وألزمت الناس به، ونحن لم يتبين لنا وجه إيجابه، فعليه أن يزيل هذه الشبهة ويبين لهم، أو أمرت بقتال هذه الفئة، ونحن لم يتبين لنا جواز قتالها، فعليه أن يبين لهم هذه الشبهة.
فإن قال قائل: كيف يلزمه أن يبين الشبهة وهو ولي الأمر وليس لأحد أن يحاسبه؟
فالجواب: أنه يلزمه أن يبيِّن ذلك درءًا للمفسدة، وليكون له عذر إذا قاتلهم، حتى لا يقول قائل: إنه قاتلهم قتالًا أعمى؛ لأنه إذا بيَّن الحق وأزال الشبهة ثم أصروا على القتال فله العذر في مقاتلتهم.
إذا أزال المظلمة وكشف الشبهة واستقام على ما ينبغي أن يكون عليه ولكنهم أصروا إلا أن يقاتلوا؟