للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف ننفيهم؟ قال: (بأن يُشَرَّدُوا فلا يُتْرَكُون يأوون إلى بلد) يُشَرَّدُوا في البراري، ولا يمكن يرجعون إلى البلاد؛ لا بلادهم ولا بلاد غيرهم؛ ولهذا قال الله تعالى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}، لا تقل: الآية تقول: {يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} فيجب أن ننزلهم في السماء، هذا لا يمكن، لكن {مِنَ الْأَرْضِ} التي يقطعون بها الطريق، والمعنى أننا ننفيهم عن البلدان وعن الأماكن التي يطرقها الناس؛ لأن المقصود من النفي هو إزالة شرهم وإخافتهم الناس، هذا معنى قوله تعالى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}.

وقال بعض العلماء: إن النفي هو الحبس، {يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} يعني: يحبسوا؛ لأن الحبس يقولون: سجن الدنيا، وهو كذلك، والذي في الحبس لا هو في الدنيا ولا هو في الآخرة؛ لا هو في الدنيا مع الناس، ولا في الآخرة مع الأموات، فهو منفي من الأرض، ولأن حبسهم أقرب إلى السلامة من شرهم؛ لأننا لو نفيناهم عن البلدان وعن الطرقات ربما يُغِيرُون في يوم من الأيام في غرة الناس ويقطعون الطريق، لكن إذا حبسوا أمن شرهم نهائيًّا. وهذا مذهب أبي حنيفة.

وكما نعلم جميعًا أن مذهب أبي حنيفة دائمًا مبني على المعقول، ولكن لا يسعفه ظاهر الآية {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}، وإلا لقال الله: أو يحبسوا، فلما قال: {يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} فإننا نقول: ينفوا من الأرض.

ولو قال قائل بأنه إذا لم يمكن اتقاء شرهم إلا بحبسهم حبسوا، وإن أمكن اتقاء شرهم بتشريدهم شردوا، لو قال قائل بهذا لكان له وجه، وكان بعض قول من يقول: يحبسون مطلقًا، ومن يقول: يشردون مطلقًا؛ يعني: نجعل المسألة على التفصيل اختلاف حالين، ننزل هذين القولين على اختلاف حالين، ونقول: إذا أمكن اتقاء شرهم بتشريدهم فعلنا؛ اتباعًا لظاهر النص، وإذا لم يمكن فإننا نحبسهم؛ يعني: هذا أقرب إلى دفع شرهم.

الآن فهمنا من كلام المؤلف وتقريره رحمه الله أن عقوبة قطاع الطريق كم وجهًا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>