الدليل الأول: جَعْلُ غاية الوقت الاختياري إلى مصير ظل كل شيء مثليه، والدليل على هذا حديث جابرٍ في قصة جبريل. ولكن القول الراجح في هذه المسألة: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ»(١)، «مَا لَمْ تَصْفَر» أي: ما لم تكن صفراء، وهذا في الغالب يزيد على مصير ظل الشيء مثليه، والزيادة تكون مقبولة؛ لأن الحديث صحيح وفي مسلم، ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالزيادة مقبولة.
ويمكن أن يُجاب عن حديث جبريل: بأن «ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ»(٢) هذا ابتداء الصلاة، ويمكن إذا صُلِّيَت وانتُهِيَ منها تكون الشمس قد اصفرَّت؛ ولا سيما في أيام الشتاء وقِصَر العصر.
وعلى كل حال سواء صحَّ هذا الجمع أم لم يصح، فإن الأخذ بالزائد مُتَعَيِّن؛ لأنه يَنْتَظِم الناقص فالأخذ بالزائد أخذ بالزائد والناقص، لكن الأخذ بالناقص إلغاء للزائد؛ فعليه نقول: وقت العصر إلى اصفرار الشمس.
الدليل على أن الضرورة إلى غروبها قول النبي صلى الله عليه وسلم:«مِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ»(٣)، وهذا نصٌّ صريح في أن الوقت يمتد إلى الغروب.
إذا قال قائل: لماذا لم تأخذ بهذا الحديث لأنه زائد على حديث عبد الله بن عمرو، ما دمنا أخذنا بهذا الأصل أن الزيادة يُؤْخَذ بها لأنها تنتظم النقص ولَا عكس، لماذا لم نأخذ؟
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حدَّد قال:«مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ»، ويمكن الجمع بين الحديثين بأن يقال:«مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ» هذا وقت الاختيار، و «إِلَى الْغُرُوبِ» وقت الضرورة.