للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلاهما على المذهب شرط فاسد، لماذا؟ لأنه يخالف مقتضى العقد؛ إذ مقتضى العقد أن المالك يبيع ملكه على من شاء، أليس كذلك؟ وإن شاء لم يبعه، فإذا قيد، قال: بشرط ألا تبيعه، فإن هذا الشرط يرونه فاسدًا لمخالفته مقتضى العقد، ولكن الصحيح أن في ذلك تفصيلًا وهو إن كان شرط عدم البيع لمصلحة تتعلق بالعاقد أو بالمعقود عليه فإن الصحيح صحة ذلك؛ مثاله اللي يتعلق بالعاقد: أنا أعرف أن هذا الرجل محتاج إلى بيت، وأريد أن أبيع عليه بيتي، لكني أعرف أنني إذا بعت عليه البيت -رجل ما عنده حسن تصرف، يمكن أبيعه عليه في الصباح، ويبيعه هو في آخر النهار- وأنا إنما بعته عليه من أجل أن ينتفع به ويسكنه، فأقول له: ما أبيع عليك هذا البيت إلا بشرط ألا تبيعه، فيلتزم بهذا، هذا من مصلحة مَنْ؟ من مصلحة العاقِد المشتري؛ مصلحة المعقود عليه: عندي عبد وهو عندي في منزلة عالية، فجاءني شخص أثق به وآمنه على هذا العبد، فقال: بعني عبدك، فقلت: أبيعه عليك بشرط ألا تبيعه؛ لأني أخشى إذا باع عبدي على إنسان غشيم، يظلمه، يهينه، يذله، ما أريد هذا للعبد، فقلت: نعم، أبيع عليك عبدي بشرط ألا تبيعه. المصلحة هنا تعود على أيش؟

على العبد المعقود عليه؛ فأنا لي مصلحة بذلك، وكثيرًا ما يكون الإنسان لا يهمه أن يشتري عبده شخص مثله في الأمانة، والثقة، وعدم الظلم، لكن لا يريد أن يباع العبد على شخص يهينه، وربما يفجر به والعياذ بالله. تمام؟ إذن فيه مصلحة، وهل المصالح تُنافي الشريعة؟ لا، بل إن الشريعة كلها جاءت لتقرير المصالح، ولولا أن الأهواء تتعدد لربطنا أحكام الشريعة بما يراه الإنسان مصلحة هو بنفسه، لكن لما كانت الأهواء تتعدد والإنسان قد تخفى عليه المصلحة ما صرنا نطلق: إنه كل ما رآه الإنسان مصلحة فهو حلال.

على كل حال هذه المسألة صار فيها مقصود شرعي، والصواب أنه إذا شرط ألا يبيعه، وكان ذلك من مصلحة العاقد أو المعقود عليه؛ فإن ذلك جائز.

<<  <  ج: ص:  >  >>