وقالوا: وأما السنة فإن حديث ماعز صريح في ذلك؛ فإن ماعزًا جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأقر عنده بالزنا فأعرض عنه، ثم أتاه فأعرض عنه، ثم أتاه فأعرض عنه، ثم أتاه الرابعة فأمر به فرُجِم (١٠)، وقد ذكر بعض الرواة في سياق حديثه: فلما شهد على نفسه أربع مرات أمر به فرُجِمَ (٢٥)، قال: فإن قوله: لما شهد على نفسه أربعة مرات قرينة ظاهرة في إرادة التكرار، وأن كل إقرارة منه تعتبر شهادة رجل واحد، فلا بد من التعدد.
وأيضًا احتياطًا للحدود والأخلاق أيضًا؛ لأن الزاني -والعياذ بالله- ليس أنه إذا طُهِّر بالحد فهو بالنسبة للآخرة يُطهر، لكن بالنسبة للسمعة هل يطهر منه؟ قد لا يطهر عند الناس؛ لو جلد يبقى في قلوب الناس شيء من الحزازة على هذا الرجل؛ فلذلك من أجل الاحتياط لا بد أن تتكرر.
الذين قالوا بالقول الأول يحتاجون إلى الرد على قول هؤلاء، فكيف نرد على الوجه الأول من استدلالهم بأن الشهادة لا بد فيها من أربعة رجال فكذلك الإقرار لا بد فيه من أربع مرات؟
الجواب على هذا قالوا: إنه هناك فرق بين من يُشْهَد عليه ومن يشهد على نفسه؛ الشاهد على نفسه غير مُتَّهم، والمشهود عليه يَتَّهِم الشهود؛ فلذلك لا بد من تكرارها، وأنتم تقولون: إن شهادة المال لا بد فيها من رجلين شاهدين، والإقرار به يكفي واحدة، فلم يبنَ الإقرار على الشهادة؛ إذ إن الإنسان ما يمكن يتهم على نفسه باختلاف الشهداء، فهذا هو الفرق بين الإقرار وبين الشهادة.
وأما قصة ماعز فإن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما ردده لأجل شبهة قامت عنده؛ ولهذا في آخر الأمر قال له:«أَبِكَ جُنُونٌ»(٢٥).