ش: أي اختلف الآخرون فيما بينهم أيضًا، فقال بعضهم وهم عطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وإبراهيم النخعي وطاوس وكذلك الناس جميعًا: لا يدخلون مكة بغير إحرام، سواء كان ممن كان بعد الميقات أو قبل الميقات إلاَّ أهل مكة خاصة.
"وقال آخرون" أي جماعة آخرون، وهم الحسن بن حي والثوري والأوزاعي، من كان منزله في بعض المواقيت -مثلًا كان منزله في ذي الحليفة أو في الجحفة- أو كان فيما بعدها أي بعد المواقيت إلى مكة؛ فله أن يدخل مكة بغير إحرام، ومن كان منزله قبل المواقيت لا يدخلها إلاَّ بإحرام، وممن قال بهذا القول: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
"وقال آخرون" أي جماعة آخرون، وهم أحمد وأبو ثور والشافعي -في قول-: إن حكم أهل المواقيت كحكم من كان قبل المواقيت، يعني لا يدخلها إلاَّ بإحرام، وإليه ذهب الطحاوي واختاره، على ما يدل عليه كلامه.
قوله:"وليس النظر في هذا عندنا ما قالوا" أي ليس وجه النظر والقياس في هذا ما قاله أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، وجه النظر: أن من أراد الإِحرام إذا جاوز الميقات من غير إحرام حتى دخل مكة وحج وفرغ من حجته ولم يرجع إلى المواقيت كان عليه دم، ولو كان أحرم من المواقيت كان محسنًا، فكذلك من أحرم من قبل المواقيت كان كذلك أيضًا، فإذا كان الإِحرام من المواقيت في حكم الإِحرام مما قبل المواقيت لا في حكم الإِحرام مما بعد المواقيت؛ ثبت بذلك أن حكم المواقيت كحكم ما قبلها لا كحكم ما بعدها، فحينئذٍ لا يجوز لأحد من أهلها دخول الحرم إلاَّ بالإِحرام، فانتفى بذلك ما قاله أبو حنيفة وصاحباه في حكم المواقيت؛ فافهم.
واعلم أنهم اختلفوا فيمن جاوز الميقات وهو يريد الحج أو العمرة، فقال مالك وابن المبارك وأبو حنيفة: عليه دم ولا ينفعه رجوعه إلى الميقات، وقال الشافعي والأوزاعي: إن رجع إلى الميقات سقط عنه الدم، لبى أو لم يلب، وروي عن أبي حنيفة: إن رجع فلبى سقط عنه الدم، وإن لم يلب لم يسقط عنه