للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبعًا جميعًا؛ أخّر الظهر وعجّل العصر، وأخّر المغرب وعجّل العشاء". فهذا ابن عباس صرح بما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه من أن المراد من جمعه - عليه السلام - بين الصلاتين: أنه أخّر الأول وقدم الثانية، وهذا مما يُؤيد ويُرجح الاحتمال الثاني الذي ذكرناه؛ فحينئذ لم تبق لهم حجة في الآثار المذكورة إلا إذا التزموا بمثل ما التزمنا.

وأما الذي رواه أبو داود أنه جمع بينهما بعد غياب الشمس، والذي رواه البيهقي أنه أخّر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هُوِيّ من الليل، ونحو ذلك فقد مر الجواب عن ذلك مستقصى عن قريب.

ص: فقال أهل المقالة الأولى: قد وجدنا في بعض الآثار ما يدل على أن صفة الجمع الذي فعله النبي - عليه السلام - كما قلنا. فذكروا في ذلك ما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عارم بن الفضل، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع: "أن ابن عمر - رضي الله عنهما - استُصرخ على صفية ابنة أبي عبيد وهو بمكة فانسل إلى المدينة، فسار حتى غربت الشمس وبدت النجوم، وكان رجل يصحبه يقول: الصلاة الصلاة. قال: وقال له سالم: الصلاة. فقال: إن رسول الله - عليه السلام - كان إذا عجل به السير في سفر جمع بين هاتين الصلاتين، وإني أريد أن أجمع بينهما، فسار حتى غاب الشفق، ثم نزل فجمع بينهما".

وما حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا مسدد، قال: ثنا يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: "أنه كان إذا جدَّ به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد ما يغيب الشفق، ويقول: إن رسول الله - عليه السلام - كان إذا جدّ به السير جمع بينهما".

قالوا: ففي هذا دليل على صفة جمعه - عليه السلام - كيف كان.

ش: هذه إشارة إلى معارضه من جهة أهل المقالة الأولى، بيانها: أنكم وإن رجحتم صفة جمع النبي - عليه السلام - بين الصلاتين بما ذكرتم، فعندنا أثار تبين صفة الجمع على ما ذكرنا وتمنع ما ذكرتم من الهيئة المذكورة، وهي الآثار التي رويت عن ابن عمر حيث يذكر فيها: فسار حتى غاب الشفق، أو بعد ما يغيب الشفق، أو بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>