للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استدل القائلون بالإفطار بهذه الأمور على قولهم بأمرين:

الأول: ما رواه أبو داود (١٤٢)، والترمذي (٧٨٨) من حديث لقيط بن صبرة؛ أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "وبالغ في الاستنشاق، إلاَّ أن تكون صائمًا".

الثاني: القياس، فقد قاسوا هذه الأمور على الأكل والشرب، بجامع وصولها إلى الجوف، فإنَّما حصل بالأكل والشرب لوصوله إلى الجوف، وهذه الأمور لها نفوذ وقوة تصل بهما إلى الجوف، وكل ما وصل إلى الجوف فهو مفطر للصائم.

الجواب عن هذا:

أولاً: أنَّه لا يوجد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث صحيح، ولا ضعيف، ولا مسند، ولا مرسل، يدل على أنَّ هذه الأمور من المفطرات.

ثانيًا: إنَّ الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لابد أن يبينها النبي -صلى الله عليه وسلم- بيانًا عامًّا، ولابد أنَّ تنقله الأمة، فإذا انتفى هذا، عُلِم أنَّ هذا ليس من دينه، فالقياس وإن كان حجة، فالأحكام الشرعية التي الأمة بحاجة ماسة إلى بيانها لا تترك للقياس، وإنما تبينها النصوص الشرعية.

ثالثًا: النص والإجماع أثبت الفطر بالأكل والشرب والجماع والحيض، فأما الكحل والحقنة والدواء والقطرة، ونحو ذلك فليست طعامًا ولا شرابًا، وإنما هي أدوية لمكافحة الأمراض، ومقاومة الجراثيم، فهي أشياء مبيدة لا أشياء مغذية مفيدة، والعلة الشرعية في الإفطار ليست هي مجرد وصول أية مادَّة إلى الجوف لتكون مناط الحكم، فتلحق هذه الأمور بما يصل إلى الجوف من الطعام والشراب، وإنما يكون الإفطار من أحد الأمرين:

١ - إما وصول طعام أو شراب إلى المعدة ليمد الجسم بالتغذية، ويحصل به الأكل والشرب، فيتولد الدم الكثير الجاري في الأوراد والشرايين، التي يجد الشيطان مجاله فيها واسعًا، فيجري معها بإغواء بني آدم ووسوسته لهم، فمناط

<<  <  ج: ص:  >  >>